يعد التفكير من أهم المهارات الحياتية التي نستخدمها بشكل يومي سواء كان مكتوباً أو شفوياً، ويتميز بأنه عملية مترابطة وديناميكية ومعقدة، وبالعودة قليلاً إلى أواخر القرن العشرين، نلاحظ أن هدف المدرسة وفق النموذج الصناعي نقل المعرفة، وهذا ما سعى إليه المعلمون في معظم البيئات المدرسية، من خلال إكمال العمل والواجبات أكثر من التركيز على التطور الحقيقي للفهم الذي يعد الهدف الرئيسي للتفكير، لأنه يعتمد على تكرار المهارات والمعارف فقط، وبالتالي تتحول الفصول الدراسية إلى أماكن «للتعلم والممارسة»، فالمعلم يحدد ما الموضوعات المهمة الذي ينبغي أن يعرفها الطلبة، ثم يجعلهم يمارسون تلك المهارة أو المعرفة، وبالتالي لا يحدث سوى القليل من التفكير.

ولكن مع التطور الكبير للتعليم في القرن الحادي والعشرين، أصبح التفكير من المهارات المميزة لهذا القرن وأصبح المعلمون بحاجة لتصميم أنشطة تعليمية تحقق مهارات التفكير العليا، وهذه الخطوة الأولى بالنسبة للمعلمين في جعل عمليات التفكير المختلفة مرئية بالنسبة لهم، ليتمكنوا من رؤية طريقة تفكير طلابهم بشكل واضح، وعليه يجب أن ينخرط الطالب في نشاط فكري حقيقي. وهذا يعني حل المشكلات واتخاذ القرارات وتطوير فهم جديد، مما يترتب عليه أن يكون المعلم على دراية بأنواع التفكير المهمة فمثلاً العلماء الذين يركزون على «صنع الفرضيات واختبارها، والمراقبة عن كثب، وبناء التفسيرات..»، والرياضيون الذين «يشكلون التعميمات، ويبنون الحجج..»، والقراء الذين «يصنعون التفسيرات، والصلات، والتنبؤات..»، والمؤرخون الذين «يعالجون الظاهرة من وجهات النظر المختلفة، والاستدلال بالأدلة، وبناء التفسيرات..»، وجعل هذه الأنواع من التفكير محوراً للأنشطة التعليمية، وكمثال عملي تم تكليف طلبة المدرسة الدولية في أمستردام بإنشاء ملف محفظة التفكير المرئي، بالاعتماد على جمع العينات التي تم توضيحها، وتوضيح أين؟ ومتى؟ شاركوا في كل من حركات التفكير الست «المراقبة عن كثب ووصف ما هو موجود، بناء التفسيرات، الاستدلال بالأدلة، إجراء الاتصالات، معالجة الموضوع من ووجهات النظر المختلفة، وتكوين الاستنتاجات»، بهدف التركيز على تفكيرهم وليس فقط الأداء في الاختبارات، ثم تم تقديم الحقائب إلى أولياء الأمور كجزء من مؤتمر يقوده الطلاب في نهاية السنة، هذا النوع من الأنشطة يكسب الطلبة العديد من مهارات التفكير العليا، والأهم من ذلك ينعكس على تطور وعي الطلبة بتفكيرهم والاستراتيجيات والعمليات التي يستخدمونها للتفكير.

كل ما سبق يعكس فكرة فيجوتسكي بأن «الأطفال يكبرون في الحياة الفكرية من حولهم»، وعليه فإن توفير المعلم لبيئة تعليمية داعمة للتفكير كعادة يومية، يخلق لدينا ثقافة تفكير ذات قيمة ومرئية وتعتمد على أنشطة مبتكرة ومميزة، وتفعل مهارات القرن الحادي العشرين لدى الطلبة، والتي تعد أساسية في دخول سوق العمل وبالتالي المساهمة في خدمة بلادهم وازدهارها.

* أستاذ الدراسات التربوية المساعد