فيديو قصير جداً أجراه «منذر الزاكي» أحد الناشطين الإماراتيين على وسائل التواصل الاجتماعي لطفل سوري يتيم من ضحايا الزلزال، تمنّى فيه أن يرى لاعب كرة القدم «كريستيانو رونالدو»، أَحْدَثَ ضجةً كبيرةً، وغرّد بعدها المستشار الإعلامي السعودي معالي تركي آل الشيخ «أبشر»، وطالب أن يدلَّه أحد على هذا الطفل ليدعوه هو ووالدته ليزور السعودية ويحقق له أمنيته.

لم تنتشر قصة الطفل السوري وأمنيته فقط من خلال هذا الفيديو القصير، إنما الذي انتشر هو أنّ دولة الإمارات العربية موجودة في سوريا، إنّها تُقدّم المساعدات، إنّها حاضرة مادياً ومعنوياً لمساندة المتضرّرين من الأشقاء العرب، ولم يكن ذلك الانتشار عبر تقرير عُرِض في نشرة الأخبار الرسمية على التلفزيون الإماراتي يراه الإماراتيون فقط، إنما عبر روّاد وسائل التواصل الاجتماعي، وما أكثرهم! فنحن نتحدّث عن دوائر تتّسع لتبلغ الملايين من المتابعين.

كما انتشر أيضاً أنّ للمملكة العربية السعودية حضوراً وتفاعلاً إنسانياً مع المتضررين مرّة أخرى، ليس عبر تقرير نُشر على نشرة الأخبار في التلفزيون السعودي، بل عبر تغريدة على تطبيق تويتر لتركي آل الشيخ.

ذلك ما ندعوه بالتوظيف الأمثل «للقوى الناعمة» التي تستخدمها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية بجدارة في تسويق أعمالهما الخيرية الإنسانية، ومنها الإعلان عن كونهما من أكثر الدول المانحة ومن أكثرها تقديماً للمساعدات للشعوب المتضرّرة والمُحتاجة، كما هو حال تركيا وسوريا الآن، وهذا ليس خطأ، ولا يمتّ للتسويق التجاري، بل هو تسويق سياسي صَرْف، مشروع لا يقلّل من أهمية الطابع الخيري للمساعدة.

حرصت الدولتان على الاهتمام بالتسويق والترويج لكل المساعدات التي تقدمانها بمصاحبتهما الفرق الإعلامية التي تستخدم منصّات الإعلام غير التقليدي، وهما بهذه الخطوة تغيّران معادلة المِنَح والمساعدات التي اعتادتا أن تعملا بها من صمت وإخفاء وسرّية إلى العلنية.

فقد اعتادتا تقديم مِنِح ومساعدات مباشرة دون شروط، إنما تغيّر ذلك «نحن نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات». هذا ما قاله الجدعان وهو «يشترط القيام بالإصلاحات قبل تقديم المساعدات».

فالتغيير أنه لا مساعدات بلا إصلاحات ولا مساعدات بلا إعلانات، هذا هو شعار المرحلة القادمة لأيّ مساعدة ستمنحها الدول الخليجية لأشقائها إذ لابد أن تكون مُعلَنة، وقد جاء الإعلان عن هذه الخطوة على لسان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي قال خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي إن المملكة تُغيّر طريقة تقديم المساعدات لحلفائها وتُشجّع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية، وأضاف «اعتدنا تقديم مِنَح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغّير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعدّدة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات». «انتهى».

ليس اشتراط الإصلاحات المستجدّ الوحيد الذي وضعته الدول المانحة، بل الإعلان عنها وتسويقها هو ما تقوم به الدولتان الآن، وذلك تغيير إيجابي لضمان المزيد من الشفافية ولضمان وصول المساعدات لمستحقيها.

وعلى صعيد آخر، استغلّت بعض الأطراف المعادية لدول الخليج في المنطقة العربية، تلك الآلية القديمة السرّيّة التي قُدِّمت فيها الأموال دون إعلان، لإنكار وصولها ولاستعداء الشعوب العربية ضد الدول الخليجية الغنيّة، مما استدعى أن تُعلَن تلك المساعدات وتُوثَّق إعلامياً.

وأضف لذلك بأن «الدولة الرعائية» في الخليج بدأت تُعاني هي الأُخرى من المشاكل الاقتصادية العالمية، وبدأت تفرض ضرائب على شعوبها، كما أشار الجدعان إلى أننا «نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقّع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهداً. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم».

لهذا كلّه فإننا سنرى تغيُّراً كبيراً لسياسة «المساعدات» تميُّزها العلنية وتميُّزها الشفافية وتصاحبها الإصلاحات، إنها الضمان الأمثل لوصول المساعدات لمستحقيها وإن فائدتها تعود على الطرفين المُساعَد «بفتح العين» والمُساعِد «بكسر العين».