ما معنى أن يقرر الاتحاد الأوروبي العقوبات على أفراد وكيانات إيرانية وليس على «النظام الإيراني» على خلفية الجرائم التي تُرتكب في إيران لقمع الثورة الشعبية الإيرانية؟

يعني أن الاتحاد الأوروبي يرى أن النظام بريء من هذه الجرائم، ويؤمن أن من ارتكبها هم أفراد وكيانات تابعة للنظام لكنهم خرجوا عن طاعة الإمام وقتلوا من قتلوا؟

حين تُوجِّه العقوبات لأفراد ولأجهزة رسمية ولا تتّهِم النظام الذي يديرها، فإنك تمنح صكّ البراءة للنظام أمام رأيك العام ومجتمعك، يا له من تحايل لإبراء الذمة أمام ضمائر العالم.

هذا هو الاتحاد الذي صدّع رؤوسنا بالتقارير التي تقيّم أداءنا في ملف حقوق الإنسان، يقف متلعثماً أمام مصالحه المادية مع إيران ومع شركاته الخاصة التي تقف تنتظر الضوء الأخضر للبدء في العمل مع هذا النظام، ويسيئها فرض مزيد من العقوبات عليه لأنها ستعطّل المشاريع الاقتصادية المُنتَظَرة لشركات تعاني ولمصانع تعاني ولمشاكل اقتصادية لا حصر لها، لذلك يهمّها جداً تبييض وجه وسمعة النظام الإيراني وتعمل جاهدةً لإقناع العالم بأن إيران لا تنوي صناعة قنبلة نووية وأنها ستوقّع على الاتفاق، وأن من ارتكب تلك الجرائم التي راح ضحيتها خلال شهر مئات القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين وأحاط سجنه بالألغام المحرّمة، كل ذلك مقابل مصالح ماديّة صرفة، وليمت من يمت سواء من الإيرانيين أو من الشعوب التي تحتلها إيران، فما هم سوى «حيوانات» في الغابة كما شبَّه مفوض الأمن والخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا بـ«حديقة متميزة»، والعالم من حولها «أدغال» يمكن أن تغزو الحديقة.

بوريل قال في كلمة له خلال افتتاح الأكاديمية الأوروبية للدبلوماسية بمدينة بروج البلجيكية: «أوروبا حديقة، لقد أنشأنا هذه الحديقة جميعنا.. فيها أفضل مزيج من الحرية السياسية والآفاق الاقتصادية والتماسك الاجتماعي.. بقية العالم ليس في الحقيقة حديقة. معظم بقية العالم أدغال، وقد تغزو الأدغال الحديقة». وأضاف أنه يتعيّن على أوروبا أن تكون منتبهة لمثل هذا الوضع و«تعتني بحديقتها»..!!

هكذا هي المعايير تتبدّل وتتناقض وتزدوج وفقاً للمصالح، هكذا هم البشر منتقون ومفصلون وفقاً للّون والعرق، هكذا هي المصداقية والجدّية تسقط أوراقها.

يا لها من دروس تعلمناها حين سقطت الأقنعة في المواقف الصلبة وعززت ثقتنا في أنفسنا وفي مواقفنا وفي قرارات اتُخذت لحفظ أمننا تتّسم بالإنسانية والرأفة وتقل شراسة عما يتخذونه لحفظ أمنهم، ولنا مبرراتنا، أمّا هم فلا ضرورة للمبررات أصلاً حين التعامل مع بقية البشر، فهم يرون كما صرح بوريل أنهم يتعاملون مع أدغال وحيوانات خارج الحدود الأوروبية.

ملاحظة

دولة الإمارات استدعت ممثل المفوضية الأوروبية وأبدت اعتراضها واحتجاجها على تلك التصريحات العنصرية البغيضة، وكذلك لابد أن تفعل بقية الدول لتسجيل موقف على الأقل يكشف لهم مدى انكشافهم لنا، علَّ الأمور تعود لطبيعتها البشرية وتتواضع تقاريرهم وتعود للواقعية.