القوى الناعمة الأمريكية فعلاً ناعمة مع إيران، وتغض الطرف عن جرائمها بتعمّد وتقصّد ومع سبق الإصرار والترصّد، إذ إن لإيران غاية وغرضاً، فتعتبر أداة من أدوات مشروع تفتيت الدول العربية وتقسيم شعوبها، لذلك فلا بد من التعتيم، قدر المستطاع عن وحشية هذا النظام أمام الرأي العام الأمريكي حتى لا يحاسب القائمون على هذا المشروع الشرير فيضطرون للإجابة والبحث عن مبررات تفسر التناقض الكبير بين شعاراته المرفوعة وأفعاله الموضوعة!

المشكلة أن النظام الإيراني لكثرة جرائمه وبشاعتها لا يعطي فرصة لتلك القوى الناعمة حتى تجد له مخرجاً، فتتحرج هذه القوى وتضطر إلى أن تعلق إبراء للذمة، فالسكوت يحرجها أمام الرأي العام الأمريكي، فلا تجد بُدًّا من المرور مرور الكرام والإدانة على استحياء.

جريمة قتل الشابة مهسا أميني الناشطة الإيرانية على وسائل التواصل الاجتماعي بشعة جداً لأنها ماتت تحت التعذيب بسبب أن حجابها كان غير لائق.

ولأن لها متابعين كثيرين أصبحت القصة هي «الترند» في إيران، وخرج الشارع الإيراني غاضباً مردداً الموت لخامنئي، هنا لم تتمكن القوى الناعمة الأمريكية أو الإعلام الأمريكي ولا حتى الإدارة الأمريكية من أن تتجاهل القصة وتعتم عليها كالعادة.

ولكن انظروا إلى الخدعة الكبرى التي يحاولون بها توجيه الرأي العام الأمريكي لتصوير الأمر على أنه مجرد تصرفات فردية وليست سياسة عامة يتسم بها هذا النظام.

روبرت مالي رئيس الفريق الأمريكي المفاوض للاتفاق النووي مع إيران متهم من قبل جميع المراقبين والمتابعين الدوليين، بل من العديد من الأمريكيين وحتى الإسرائيليين أنه إيراني أكثر من الإيرانيين، وطالب العديد من الحزب الجمهوري بتغييره خاصة أنه كان المفاوض المسؤول عن الاتفاق الأولي عام 2015، تغييره إلى شخص أقل ميلاناً لإيران.

حتى هذا لم يتمكن من السكوت على جريمة قتل مهسا، لكنه قال يجب أن يحاسب المسؤولون عن هذا التصرف!!

بمعنى أن ما حدث كان تصرفاً فردياً.

وماذا قال البيت الأبيض؟ جاك سوليفان مستشار الرئيس جو بايدن للأمن القومي قال إنها جريمة لا تغتفر موت شابة في مقتبل العمر وهي رهن الاحتجاز عند شرطة الآداب، طيب يا سيد سوليفان وماذا بعد تلك الإدانة؟ اكتفى السيد سوليفان بالقول «وسوف نستمر في العمل لمحاسبة المسؤولين الإيرانيين عن مثل هذه الانتهاكات الإنسانية»!!

آه إذن المساءلة تتعلق بتصرفات بعض المسؤولين الذين ستعلنون أسماءهم لمعاقبتهم كأفراد، وماذا عن النظام؟ من وضع تلك الشرطة؟ من أعطاهم الصلاحيات؟ هل هي أول حادثة؟

بالمناسبة هل مازلتم تنوون رفع العقوبات عن هذا النظام في حال قبل بجميع تنازلاتكم التي قدمتموها؟ هل مازلتم على استعداد لتزويده بملياراته المجمدة كي يعيد ضخها في ميليشياته الإرهابية التي تقتل مئات من شابات الوطن العربي في اليمن والعراق ولبنان وسوريا؟

إنها ليست مهسا واحدة، إنها آلاف المهسات.

إنما حين يريدون أن تكون الجريمة تصرفات فردية لا تتحملها الدولة، وحين يشاؤون حملوا الدولة ونظامها مسؤولية تلك الجريمة، الأمر يعود إلى أين يريدون توجيه الرأي العام بما يخدم أهدافهم ومشاريعهم، ومازال هناك من هم بيننا من يقول إن الأمر ليس مقصوداً وليس هناك مشروع أمريكي لتفتيت المنطقة إنما هي مجرد أخطاء وسذاجة وقلة إدراك من نظام يريد أن يكون الأوحد الذي يقود العالم ويقيم تصرفاته.