كتبتُ مقالاً للشرق الأوسط مفاده أن أمريكا التي استقبلت طلاب الخليج في السبعينات كانت متلائمة مع صورتها التي روّج لها إعلامها، من عدالة وحرية تعبير وتنافس شريف وحقوق إنسانية وإنصاف وشعب مضياف ولطيف وعشري مع الناس.

كانت العنصرية تجاه السود هي أكثر ما كان يشوه الصورة الأمريكية في تلك الحقبة، أما اليوم في 2022 لم تعد مسألة التفرقة العنصرية وحدها ما يشوه صورتها، لم تعد قصة معاناة السود فقط ما يلوث نقاءها بالرغم من أهمية تلك الجريمة، إلا أن للقيم التي كانوا يدعون لها ويروجون لها حضوراً طاغياً في حياتهم، انبهر بها كل من سافر للدراسة وأقام هناك لسنوات، أحبها وغير مستعد أن يصدق أنها تغيرت.

هل ممكن أن يصدق هؤلاء أنه بحجة أن «روح الأمة الأمريكية» معرضة للخطر فإن الرئيس الأمريكي يدعو للتصدي لأربعة وسبعين مليون أمريكي اختاروا ترامب في معركة الانتخابات ويراهم بايدن خطراً على الأمة الأمريكية؟!! هل ممكن أن تصدق أن الرئيس الأمريكي يهدد نصف الشعب الأمريكي بتدخل الجيش لمواجهته؟

انقسام كبير بين الأمريكيين لم يحدث إلا في حربهم الأهلية قبل مائتي عامٍ.

لا عجب فنوفمبر يقترب والديمقراطيون يرون كل الخطوط الحمراء ممكن أن تكون وردية من أجل حسم معركة الكونغرس لصالحهم، حتى لو أدى الأمر إلى اقتتال أمريكي أمريكي.

ولا يقلّ الجمهوريون عنهم دعوة للعنف فهم يشعرون أن الديمقراطيين لا يوفرون أي وسيلة للهجوم عليهم ودفعهم باتجاه مواجهة الجماهير.

أهذه هي قيم الديمقراطية التي يراد حمايتها؟ من أجل مقاعد سلطوية يدفع الشعب الثمن حتى لو تقاتل؟ ماذا أبقيتم للعالم الثالث؟ هل هذه هي أمريكا التي تعرفون؟

وهل بقيت قيمة من القيم التي صدعوا رؤوسنا بها لم يدوسوا عليها؟

مجموعة السبع الكبار ومنهم أمريكا ستفرض سقفاً على أسعار النفط الروسي!

كيف؟ أليست هناك قواعد ثابتة للسوق الحر وأهمها عدم التدخل في السعر وتركه لقانون العرض والطلب؟

الكونغرس الأمريكي يناقش قانوناً لمعاقبة محتكري الطاقة أو الذين يبيعونها بلا سقف؟

تويتر وفيسبوك يحجبان حسابات ويغلقانها لعدم اتفاقها مع قيمهما التي يروجان لها، نفس التطبيقات تعاونت مع الحكومة الأمريكية لكشف معلومات وبيانات المشتركين.

أين إذاً الحرية الشخصية ومناعتها وحصانتها و(بلا بلا بلا)

التعذيب في السجون يحظى بموافقة وزارة العدل والرئيس الأمريكي، ويحتاج الأمر وجود أطباء فقط أثناء التعذيب للتأكد بأن السجين يصل لمشارف الموت لكن لا يموت، هذا ما اعترف به ضباط من الاستخبارات الأمريكية آخرهم جو كيرياكو على تلفزيون العربي، بل إنه قال بالحرف الواحد القوانين المناهضة للتعذيب مازالت كما هي لم تتغير نحن الذين تغيرنا.

قوات الأمن الأمريكية تستخدم القوة المفرطة في إيقاف المشتبهين، كثير منهم مات أثناء عمليات الاعتقال.

لم يتبقَ من قيمهم التي صدعوا بها رؤوسنا شيء كلها سقطت حين تعارضت مع مصالحهم وأمنهم.

الاحتكار مسموح لهم، التدخل في سقف الأسعار مسموح لهم بلا سوق حر بلا بطيخ، القوة المفرطة مسموحة لهم محلياً في ضبط الأمن وخارجياً في الحروب الاستباقية ذلك المصطلح الأمريكي القح، حرية التعبير فرغوها من معناها وما عادت تعني شيئاً في ظل حجبهم من لا يروق لهم رأيه.

أوراق التوت تتساقط يومياً أمام أنظار العالم ولم تعد كل قوة البهرجة الإعلامية وأضوائها كافية لحجب الحقيقة.

فعلاً أمريكا تغيرت.