«وزارة الخارجية التايوانية تدعو المجتمع الدولي لإدانة التهديد العسكري الصيني لتايوان» أين سمعت هذه العبارة من قبل بل ومن وقت قريب؟

أها تذكرت قبل يوم دعا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي المجتمع الدولي لمساعدة بلاده والضغط على روسيا عبر العقوبات!!

النسخة التايوانية استقبلت نانسي بلوسي بأجواء احتفالية وهي التي وضعت العالم كله على شفير حرب عالمية بقبولها استقبال مسؤولة أمريكية، والنسخة الأوكرانية مشغولة بجلسة تصوير لزيلينسكي ولزوجته وإجراء مقابلات تلفزيونية معها كوجه مسوّق له.

الماكينة الإعلامية الأمريكية ومعها البريطانية تتولّى تسويق بطولاتهما الزائفة بامتياز، على أنهما نموذج ديمقراطي متسامح مؤمن بالقيم الغربية بمجملها، ولا نستبعد أن نرى الحكومة التايوانية تصوّر مع الشواذ مثلما فعل زيلينسكي من قبل، فالمخرج واحد.

الاثنتان «أوكرانيا وتايوان» استفزتا دولتين كانتا قد حذرتهما ودعتهما لعدم الاستجابة لتحريض الولايات المتحدة الأمريكية غير المسؤول، إنما أصرتا على أداء المهمة المطلوبة، وبعد أن أدت هاتان الدولتان مهمة الاستفزاز وجاءهما الرد من روسيا والصين، توجه الاثنان للمجتمع الدولي طلباً للمساعدة، وتحميل المجتمع الدولي برمته نتيجة تهورهما، وإدخال المجتمع الدولي في صراعات لم يخترها ولا له ناقة أو بعير فيها، نحن باختصار أمام النسخة التايوانية لأوكرانيا بذات المهام وبذات العلامة التسويقية «الديمقراطية في مواجهة الديكتاتورية».

الغريب أنه كان أمام تايوان فرصة لتعلّم الدرس، لاستباق الأحداث، لتوقعات السيناريوهات، لعدم الوقوع في الفخ، لكنها سارت على ذات الدرب وأصرّت على دخول اللعبة رغم أنها تعرف النتائج مسبقاً، واليوم يبدأ السيناريو الأوكراني بنسخته التايوانية في دعوة المجتمع الدولي لإنقاذه وإجباره على مواجهة الصين مثلما أُجبر على مواجهة روسيا وسن عقوبات عليها، الفارق هذه المرة أن الصين قررت أن تردّ بالتوقيت وبالموعد الذي ستختاره لأنها تعلّمت الدرس الروسي.

فالتوقيت كان أمريكياً بامتياز في كلتا الحالتين كان مدروساً للمهام الأوكرانية والمهام التايوانية، الموعد اختارته الولايات المتحدة الأمريكية، فزيارة نانسي لتايوان في يوم احتفال الصين بالجيش الصيني وقريباً من موعد الانتخابات الصينية ورغبة تشي جين بينغ بإعادة ترشيحه للولاية الثالثة، أي أنه توقيت مناسب جداً للاستفزاز ويصعب التحكم فيه بضبط النفس!

ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية هو لعب بمصائر المجتمع الدولي برمته، خدمة لمصالح مجموعات أمريكية يسارية ليبرالية مرتبطة بمجموعات تجارية لا خدمة لمصالح الشعب الأمريكي، فالشعب الأمريكي يدفع ثمن استفزاز روسيا معنا مثلما ندفعه نحن، مجموعات تعتقد أنه لابد من إجبار العالم على الخضوع لسيطرة النظام ذي القطب الواحد، وإنها من أجل ذلك لابد أن تستعدي العالم كله ضد منافسيها، إنها تخدم مجموعات تستفيد من الصراعات والحروب ببيع سلاحها، باحتكار أسواق استهلاكية، وبإشغال المنافسين واستنزافهم، وكانت قد أعدت لمشروع يهدف لحرب خليجية ثالثة بين ضفتي الخليج ولكنها فشلت في إقناعهم في قمة جدة التي رفضت مقترح الناتو «الأمريكي» لا الناتو «العربي» كما روّجوه، وفشلت في استدراج الصين.

إننا هنا لا ندافع عن روسيا ولا عن الصين، إنما نوضح ما يدور في الكواليس خلف العرض المسرحي للدعاية الأمريكية الذي عنوانه «دعم الديمقراطية».

فبالرغم من أن الديمقراطية تُغتال في إيران يومياً ألف مرة ومع ذلك تستميت الإدارة الأمريكية بدعوتها لها كي تستجيب وتعود للتفاوض معها على اتفاق ميت، ومن أجل هذا الهدف لا ترى في الإعلام الأمريكي صدى لإعدام 531 إيرانياً في العام الماضي، ولا تجد صدى لأحكام فقء العين ومثلها التي صدرت بحق رجل وامرأتين وسيُنفذ الحكم في الأيام القادمة في طهران، بل يسوّق الإعلام الأمريكي لاحتفالات «النوروز» المبهجة وتلميع الوجه التسامحي لنظام الملالي الإيراني، فمصلحة تلك المجموعات تقتضي فتح السوق الإيراني وإشغال الدول النفطية بعضها ببعض وإبقاءها تحت نفوذ الأمريكي.