تجمدت حياة الملايين حول العالم بانتظار ريان؛ ذلك الطفل المغربي الذي قضى أياماً في ظلمات الجب، يعاني الوجع والألم والخوف والوحدة، ولكنه حرك ضمائر الملايين فتحول الزمن على نبضات قلبه ليصبح ريان لغة العالم الأولى.

خمسة أيام كانت كفيلة أن تسقط الحدود بين جميع البشر، حين تعلق العالم كله بأمل واحد؛ أن يخرج الطفل ريان سليماً معافى من محنته، بعد أن عاش وتعايش معه الملايين، وكأن العالم أجمع سقط في تلك الحفرة.

وما أن تسللت الفرحة إلى عيون وقلوب الملايين بإعلان إخراج الطفل، حتى ذرفت الدموع، وارتفع أنين الوجع متعدياً كل الحدود، وتحولت قصة ريان إلى حزن جمعي، ذابت معه الخلافات والأديان والطوائف والأجناس.

وها هو شعب البحرين، والذي عاش وتعايش مع محنة ريان في قعر الجب بقرية أجران الجبلية المعزولة في ضواحي شفشاون المغربية، يتداعى كعادته ويتعاطف، فينسى كل ما يشغله من تداعيات كورونا والأسعار والضريبة والبطالة والإسكان، وبقي أمله الوحيد إنقاذ هذا الطفل في مغارب الأرض.

تفاعل ذكرنا بإنسانيتنا، حيث توحدت الأديان والأعراق وذابت الحدود واللغات، تقمص الجميع شعور ذلك الطفل في المحتجز في البئر لأيام، بعيداً عن حضن أمه وأهله، فكانت الدعوات والصلوات لا تخلو من اسم «ريان» الذي ابتلعته الأرض، ولأنه أصبح ابن الجميع فقد تبادلوا التعازي بعد وفاته.

ريان الذي ابتلعته الأرض أيقظنا.. وعندما فاضت روحه إلى السماء زرع الوجع في قلوبنا، رحمك الله يا من حركت إنسانيتنا وأيقظت ضمائرنا.. وجعلتنا ندرك أننا أمة واحدة رغم الحدود والدين والعرق والأيديولوجيا، ذكرتنا بحديث رسول الإنسانية بأننا «كالجسد الواحد»، قولاً وفعلاً وإيماناً.

كم نحتاج من «ريان» لننفض عن ضمائرنا وقلوبنا وعقولنا غبار تفرقنا وتشتتنا؟!

ملايين الأطفال في عالمنا العربي، لا يزالون يعانون البرد والخوف والجوع والحصار، كلهم يستحقون منا أن ننتفض لأجلهم، ولو بكلمة أو دعاء، وأن نقدم لهم ما استطعنا.

إضاءة

«كم يلزمنا من القلب لاتساع هذا الأسى».. «صنع الله إبراهيم».