الجماهير مجنونة فقد تقتل رجلاً من دون التأكد من ذنبه، والجماهير إذا أحبت رجلاً أو ديناً تبعته حتى وإن كان لطريق موتها، والجماهير تحرق اليوم ما لبسته منذ أيام، وتتغير أفكارها كما تتغير ملابسها، هذا ما قاله الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير، والذي كان يشرح فيها العلاقة بين الجمهور والخطاب وكيفية التأثير المؤقت في أغلب الأحيان على الجمهور العاطفي بشكل خاص والجمهور المحبط، ولذلك وجد أن الخطاب ذا الاتجاه الواحد يكون شديد التأثير فقط عندما تكون الجماعة متشابهة، وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الأمريكي إيريك هوفر في كتابه المؤمن الصادق والذي قام بترجمته الراحل الدكتور غازي القصيبي حين أكد على أن الخطاب الإعلامي عندما يكون موجهاً لجماعة متشابهة فإنه سيكون مؤثراً بشكل كبير، وأخذ مثالاً على جماعات من المحبطين القابلين للانحراف الفكري، حيث سلط الضوء على الجنود السابقين والذين خاضوا حروباً وأصيبوا بتأثيرات ما بعد الصدمة، فوجد أن هؤلاء الجماعة من المحبطين هم الأكثر قبولاً للخطاب الذي يلامسهم ويكون تأثيره كبيراً عليهم حيث أنهم مستعدين للتضحية بما يملكون لأجل القضية أو ما تضمنه الخطاب الإعلامي، وفي ذات الوقت تم عرض ذات الخطاب على جماعات مختلفة من قبل نشره بوسائل الإعلام إلا أن تأثيره لم يكن بحجم التأثير على الفئة المتشابهة والمستهدفة بشكل رئيسي من قبل صاحب الخطاب أو الجهة المعنية بالخطاب، حيث إن تأثيره يختلف على المثقف ويختلف عند رجل الدولة المدنية ويختلف عن الشاب والفتاة الغارقين في شبابهم.
كانت نظرية الرصاصة السحرية أو ما تعرف باسم «الحقنة» التي وضعها العالم «هارولد لازويل» هي الانطلاقة الرئيسة لعلماء النفس والاجتماع في تحليل طبيعة العلاقات الاجتماعية، والتي تم التركيز فيها على التركيبة النفسية للأفراد وأثرها على سلوكهم، ولكن مع بداية القرن العشرين وكثرة البحوث ونتائجها الامبريقية التي بدأت بالامتداد على نطاق واسع، إضافة لما توصل إليه علم النفس والاجتماع من دراسات حديثة حول الخصائص النفسية للإنسان، الأمر الذي أدى إلى إعادة نظر في آلية عمل وتأثير وسائل الإعلام على الجمهور المتلقي للرسالة الإعلامية، الأمر الذي جعل من محتوى وسائل الإعلام محتوى قابلاً لقراءات متعددة!!
السباق الإعلامي بدأ في مختلف المجالات والرسائل أبرزها وجودنا في الفصل التشريعي الأخير من دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الخامس الأمر الذي سيرفع من وتيرة السباق نحو المجلس القادم، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الخطاب السياسي للحملات الانتخابية للبرلمان البحريني يختلف تعاطي أفراد الشعب معه، فكل يمسه ما يحتاجه فالبعض سيركز على الحاجات اليومية للمواطن، والبعض يضرب على وتر الرواتب وغيره، والملاحظ أن كل ما يتضمنه الخطاب الانتخابي عبارة عن خدمات وليست مهمة النائب الرئيسة وهي عملية التشريع، وهو الأمر الذي لن يشجع النائب الغير مثقف أو العادي لإعطاء هذا النائب صوته بينما سيحوز على إعجاب الناخب المثقف المدرك لدور النائب التشريعي.
* باحث ماجستير - الجامعة الأهلية