كلما مررنا بمحطة صعبة جداً في هذه الحياة لامسنا معنى كلمة «لله تدابيره التي لا نعلمها» صدمنا الأسبوع الفائت برحيل قامة إعلامية نادرة ومميزة وأشدد على الكلمتين الأخيرتين فليس كل إعلامي مميزاً وذا بصمة لا تتكرر وليس كل إعلامي يعمل يكون لافتاً ومؤثراً ويمثل نموذجاً فريداً من الصعب أن يجاريه أحدهم أو يقتبس من أسلوبه.

لا أعرف كيف أرثي أخي وزميلي الإعلامي محمد الشروقي البشري رحمه الله والكلمة التي تحضرني حالياً «كيف أرثيك وأنا التي كنت دائماً أدعو الله أن يشفيك!» قبل وفاته بأيام أرسل لي من رقم هاتفه الخاص منشورات من حساب كان قد أعلن إغلاقه بكلمة «وداعاً» وذلك كان آخر ما أرسله ووضع في صورة الوتسآب الرمزية «مغلق».

آخر اتصال بيننا قبل وفاته بيومين كان محمد رحمه الله مختلفاً في كل شيء، أخبرني أنه متعب ويريد أن يرتاح ويجلس مع نفسه، والسؤال هنا «هل شعر بدنو أجله وكان يريد توديعي؟» الأعمق مما حصل أننا كنا متخاصميَن سنين طويلة بسبب مكيدة قام بها أشخاص أرادوا ضربنا ببعضنا حتى ننشغل في الخلافات وكان الصلح بيننا شبه مستحيل و«بقلبي شايله عليه وأدري أنه شايل علي وايد»، ومتقاطعَين لكن قبل أكثر من سنة وبسبب ما قام به أعداء البحرين من استهدافات ودفاعه المستميت عني وقيام أهل الخير بنقل كلام طيب عنه لي وبالمثل له تصالحنا وعدنا للتواصل من جديد.

عندما أتأمل قصة محمد الشروقي رحمه الله التي مرها أكثر من حلوها والتي سود أيامها أكثر من بياضها أجد أن هناك الكثير من العبارات التي تدخل في مفهوم تدابير الله وأن الله يحبه فعلاً وسخر له من جنده الخفي ما لا يدركه إلا الشخص البصير، حتى آخر لحظات حياته كان ساعياً لعمل خير خفي يقوم به يومياً، لم يفكر يوماً بنفسه أو بمصالحه الخاصة كان همه الأول والأخير البحرين والتصدي لأعدائها ولأجل هذا الهدف كان يعمل بنظام سبعة أيام 24 ساعة فشاغله كان دائماً كشفهم وتفنيد مخططاتهم، عاش متعففاً عزيز النفس ذا كبرياء وكرامة تمنعه حتى من أن يطلب شيئاً أو يحصل على أي مكتسبات رغم أنه في عام 2011 كان في الصفوف الدفاعية الأولى وقام بما لم يقم به أي أحد ورغم تكسب البعض من الأزمات واستغلالهم لبعض الظروف للوصول واغتنام الفرص رحل ولم يأخذ من هذه الدنيا سوى شقائها وتعبها وآلامها وأمراضها وتبلي البعض عليه حتى في شرفه ووصفه بأبشع الصفات وتلفيق أقذر الاتهامات والإشاعات.

محمد كان يحمل عقلية إعلامية عبقرية في ربط المعلومات وتجنيد الحقائق وإخراجها في قوالب دفاعية قوية تجعل خصومه لا يعرفون كيف يردون أو يتكلمون من بعده، ومع احتراماتي لا يمكن أن تكون هناك نسخة مشابهة تجمع ما بين الفصاحة والقوة في الحضور والكلام والثقافة، محمد يمثل مدرسة إعلامية لن تتكرر.