كان محل الكرك الوحيد في شارع بوكوارة، بل ربما كان الأول من نوعه في البحرين، إذ لم تعهد البحرين وجود محل بأكمله مخصص للشاي الكرك، ولذلك كان كرك النعيمي هو مقصد الجميع من عشاق الشاي وغيرهم ممن يود التجربة فقط، الزحام شديد والطلبات لا تكاد تقف عند المحل الذي أعاد صحوة شارع البوكوارة لوهلة، ولكن ما إن مضت بعض الأيام مع النعيمي المبادر حتى بدأت الإعلانات الصفراء التي تحمل اسم محل «كرك ملكي» تجتاح كل الشوارع والفرجان، وحتى أنك لا تكاد تجد «زرنوق» في البحرين إلا وفيه محلات الكرك متلاصقة، يقدمون نفس المشروب ونفس المنتجات الأخرى.

بعد هذه الظاهرة بدأت عملية النسخ واللصق في المشاريع بالنمو والانتشار؛ فكل «هبة» أصبحت تنتشر بشكل مفزع في ذات الشارع، فعلى سبيل المثال برزت هبة «الكب كيك» في الإنستغرام حتى ما لبثت أن انتشرت في جميع الصفحات حسابات لبيع «الكب كيك» وتحول بعضها لمحلات ليبدأ انتشارها مع إضافات مختلفة، لكنها تكاد تتشابه بالمضمون والمحتوى، فالجميع يستخدم نفس المواد لصناعة نفس الحلوى، ولكن بلون مختلف أو ربما شكل مختلف وفي نهاية المطاف كلها نفس الطعم!

ولم تكن محلات البرجر أفضل حالاً حيث إنها بدأت بمحلات كلاسيكية ولكنها ما لبثت أن أصبح كل منها يشبه الآخر، فالبعض يحاول الابتكار والبعض الآخر يحاول نقل أفكار الدول المجاورة ليقوم الآخرون بنقلها عنها حتى نعود إلى نفس الدوامة، وهي تشابه الطعم لدى الجميع وخسارتهم جميعاً، وفي النهاية إغلاق المحلات، المنافسة بالتقليد تؤدي إلى مناكفات تجارية الجميع فيها خسران، فالرابح فقط هو من بدأ الفكرة أما الذين يتلونه بتقليد أعمى فإنهم لا يفعلون شيئاً غير ضر أنفسهم وإنهاك السوق من خلال رفع العرض.

الهبات كثيرة والشعب البحريني أصبح مقلداً في ما يخص عالم الأعمال، لذلك نرى كثيراً من عربات الطعام اليوم تفتح وتغلق ويتكبد أصحابها خسائر مالية منهكة، وذلك بسبب أن الجميع أصبح متشابهاً، وكل عربة طعام تقلد أختها والمتميز والقوي هو من سيواصل مسيرة نجاحه وقليل ما هم، أضف إلى ذلك ظاهرة انتشار ملاعب البادل التي ستتجاوز الأربعين مع نهاية العام في نموذج للتقليد واضح فلا يقوم المستثمرون بالابتكار أو الإضافة على الأقل لتميز مشاريعهم وإنما نسخ كربونية من مشاريع قائمة.

على الجهات الحكومية الداعمة كتمكين وغيرها وحتى البنوك التنموية توجيه المستثمرين إلى عدم التقليد وإيقاف الدعم للمشاريع المتشابهة، فلا يمكن دعم 100 مشروع icecream في ذات الوقت؛ فالجميع خاسر في هذه الحالة، بل يجب على هذه الجهات المعنية توجيه أصحاب هذه الأعمال إلى الابتكار والإبداع وعدم التقليد والانجرار خلف «الهبات» لأنه في نهاية المطاف الجميع سيخسر و لا يوجد رابح سوى السوق الذي استفاد من مشترياتكم في وقت الإنشاء.

* باحث ماجستير - الجامعة الأهلية