عندما تتابع من حين لآخر ما يعرض من بعض الأعمال التشكيلية، تستبد بك الحيرة حول مدى قدرتك على الفهم والتذوق، بل قد يصل بك الأمر إلى الشك في مستوى ذكائك وقدرتك على قراءة الأعمال الفنية.. لأن مثل هذه الأعمال أصبحت تستعصي عن الفهم، لأنها تنتمي إلى عالم العجائب التشكيلية.

قد لا تكون من المتخصصين في الفنون التشكيلية، ولكنك قد تمتلك القدرة على فهم الأسس التي تقوم عليها، وقد تعرف مدارسها واتجاهاتها الحديثة والمعاصرة، ومع ذلك فلن يفيدك ذلك كثيراً في شيء، حيث ستجد صعوبة في استيعاب العديد من الأعمال التي تنتسب إلى الفنون التشكيلية، وذلك لأسباب عديدة، من بينها:

* هذا الطغيان العجيب للامعنى في هذه الأعمال، فهي أقرب إلى الشخبطة التي لا تناسب فيها، ولا جمال ولا هوية ولا روح.. وما أدراك ما الروح التي من دونها، لا يكون العمل الفني داخلاً في عالم الفن أصلاً. إذ لم يعد هنالك من حاجة على ما يبدو لتقديم أعمال تحمل المعنى أو أي شكل من أشكال الجمال. ففنانو الشخبطة في طريق مفتوح، يشخبطون بلا حدود، ويزعمون بأن هذا هو الفن المعاصر، وحذارِ أن تقول لهم: إن مثل هذه الأعمال بلا معنى أو بلا روح، لأنك في هذه اللحظة، سوف تصنف بأنك «دخيل على الفنون ومتخلف وأحمق» لا تفهم الفنون ولم ترتقِ بعد إلى مستوى أنك تفهم أصلاً، فأنت شخص عشوائي، لا تفهم الحداثة، ولا ما بعد الحداثة. ولكن هذا التيار من اللامعنى والشخبطات التي تطرق رؤوسنا، لا يجب أن تنسينا تلك القامات الفنية التشكيلية البارزة والمحترمة بأصالتها وبإبداعها وتفردها، والتي نفتخر بها، لأنها ما زالت تكدح من أجل أن تقدم أعمالاً تفوح بالجمال وتفيض بالمعاني، وتزيد أرواحنا غنى وجمالاً.

* وهذا التشابه المدهش بين العديد من الأعمال التشكيلية، إلى درجة أنك في بعض الأحيان تجد نفسك، وكأنك أمام أعمال لنفس الفنان، بغض النظر هنا عن قيمة العمل في ذاته.. فتضيع الهوية الفنية لتلك الأعمال، ولا تعرف البداية من النهاية، ولا الناقل من المنقول عنه.

* هذا الغياب شبه الكامل والمدهش لقضايا العصر والإنسان وتطلعاته وأوجاعه، عن مثل هذه الأعمال، التي من الواضح أنه لا يفهمها إلا أصحابها.

إن مثل هذا الاستخفاف الفني-إن صح التعبير- يكاد يتحول إلى ظاهرة كتلك التي تحدث في مجال الأدب عامة، والشعر خاصة. فهنالك خط واحد من الاستسهال وركوب الموجات والادعاء وقلة الموهبة وضعف الأدوات. وقد زاد الأمر استفحالاً غياب النقد العلمي والموضوعي الذي يحلل ويكشف ويفرز، بعيداً عن المجاملات التي تقود في الغالب، إلى التساهل في القضايا المبدئية، بسبب تقديم جميع الاعتبارات على الكلمة الصادقة.