عندما تصبح أباً سيزداد حبك لوالديك، وستشعر بشعور غريب تجاههما وستتمنى لو تعود بك الأيام وكل تلك السنين التي مضت لتعاود برهما وتكسب ودهما أكثر مما كُنتَ تفعل، ستدرك أن هناك من يستنشق الهواء لتتنفس أنت، سيعرق جبينه لترتاح أنت، وستعلم أن وراء كل راحة عين أم ساهرة، ومع كل أنين وتأوه قلب يعتصر يبحث عن راحتك.

عندما تصبح أباً سيحترق قلبك مع كل دمعة تنسكب على وجنتي طفلك وستقلب الدنيا رأساً على عقب لتجد ما يسكن ألمه ويعيد الطمأنينة له، غير مبال بالعواقب فكل شيء يهون في سبيل فلذات الأكباد، وعندما يستقر الوضع وتتجاوز هذه المحنة ستقف وتتأمل حالك «هكذا شَعر أبي».

عندما تُصبح أباً ستشعر بالوجع الذي شعر به والداك عندما مرضت، وستشعر بالهلع الذي يجتاحهما كلما ارتفعت حرارة جسمك، ستزداد قيمة والديك في قلبك كلما عشت مراحل أبوة أكثر، ستتأكد حينها أن قلب الأب الذي تحمله الآن مختلف عن قلبك عما كان قبل الأبوة.. ستشعر جداً.

عندما تصبح أباً ستشعر بمسؤولية كبيرة، وستبدأ بالعيش بشكل مختلف؛ فالحياة الآن ليست معنية بي أو مرتبطة بما أريد، بل أنا أعيش «لتحيا» هي أو هو، هكذا سيكون المبدأ منذ إطلالة صغيرك إلى هذه الحياة، كما ستبدأ التفكير بشكل مختلف وستتبع مناهج جديدة وستبدأ من الادخار بطبيعة الحال، كما ستبدأ بتعلم مهارات جديدة، ستغير الحفاظات وستتعلم تجهيز مرضاعة الحليب وتسخينها، وستبدأ تعلم الأهازيج والأغنيات الشعبية المنومة.

عندما تصبح أباً لن يزيد تقديرك لوالديك فقط، وإنما سينعكس ذلك على حياتك الزوجية، سيزداد حبك لزوجتك بعد رحلتك الطويلة معها خلال فترة الحمل والمخاض، تلك الرحلة الشاقة التي خاضتها زوجتك ما بين تقلبات جسدها ومزاجها وآلامها المختلفة خلال الأشهر التسعة، شعرت بمرارة تعبها مما سيقربك لبيتك أكثر وأكثر، كما ستبدأ بقضاء أوقات أكثر في البيت، وستخصص وقتاً للعب مع طفلك، وسينقبض قلبك عندما يغيب عن ناظريك، وسيرفرف قلبك فرحاً كلما صادفتك ابتسامته.

عندما تصبح أباً ستعلم لماذا طاعة الله مقرونة ببر الوالدين، ولماذا الجنة تحت أقدام الأمهات، وستعرف أهمية الأمان والراحة والخوف، لا على نفسك بل على بيتك، ستعلم كم المسؤولية التي حملها والدك، والحمل الثقيل الذي عايشته والدتك من أجل رعايتك ولن توفيهما أجرهما مهما فعلت، فاللهم احفظ والدينا ولا تحنِ لهما ظهراً ولا تعظم لهما أمراً، وأطل في أعمارهما وألطف بهم يا رب وأعنا على برهما وطاعتهما.