السياحة ليست موسيقى، وليست هي منظراً جميلاً لغروب الشمس نستمتع به ثم يتلاشى، السياحة كما أطلق عليها خبراء اقتصاد العالم (صناعة بلا دخان) والصناعة تحتاج إلى مصانع، والمصانع تنتج المال، والمال ركيزة اقتصاد كل بلد.

وظلت السياحة على مدى سنين طويلة قرابة 30 سنة بدون وجود خطة واضحة لها، ربما بسبب النظرة العامة على أنها قطاع ترفيهي، فكانت مطلع التسعينيات تحت الآثار ومن ثم الثقافة، ثم الإعلام، ثم شؤون مجلس الوزراء، وأخيراً الصناعة والتجارة والسياحة.

وجاءت رؤية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله 2030 لتصحيح هذا المفهوم؛ إذ جعل السياحة أحد أهم روافد الدخل الاقتصادي غير النفطي.

ولخدمة هذا الهدف وافق مجلس الوزراء على إطلاق الخطة الوطنية للؤلؤ الطبيعي التي اعتمدتها اللجنة التنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد، والتي تهدف إلى جعل مملكة البحرين مركزاً عالمياً في مجال فحص اللؤلؤ الطبيعي، وفي مجال إنتاج اللؤلؤ، كما نظم مجلس التنمية الاقتصادي أنظمة ورسوم رحلات الغوص على اللؤلؤ لدى مكاتب السياحة والغوص الحر، وهذا يساهم في تنمية الدخل السياحي.

وكانت مدينة المحرق تشكل مركزاً مزدحماً لمهنة الصيد وتجارة اللؤلؤ واليوم تضم المحرق أيضاً طريق اللؤلؤ الذي سجلته هيئة البحرين للثقافة والآثار في اليونسكو كأحد معالم التراث العالمي.

ويعتبر اللؤلؤ من أنقى الحلي وأقدمها في التاريخ، وتبدأ قصة لؤلؤ البحرين منذ 4 آلاف سنة مع أسطورة جلجامش السومرية، وقصة البحث عن زهرة الخلود، وأطلق الدلمونيين على اللؤلؤ اسم (عيون السمك) بسبب التشابه الكبير بينهما، وتوجد في المتحف الوطني مجموعة من اللآلئ عمرها يقارب 3 آلاف سنة وما تزال محافظة على بريقها المعهود.

ولم تحظ أي دولة بنصيب قص ؤص اللؤلؤ كما هو عليه في البحرين؛ فلدينا رصيد نادر من الحكايات العالمية، تبدأ من قصة جلجامش، وزيارة رجل الأعمال فائق الذكاء جاك كارتير الفرنسي عندما جاء إلى البحرين في عامي 1911 و1912 وقد جالس الطواويش وتجار اللؤلؤ، واشترى أفضل أنواع اللؤلؤ بأفضل الأسعار، وقد التقط مصوّره عدة صور تاريخية نادرة.

الملكة البريطانية إليزابيث الثانية عندما سألوها عن سر ارتداء أقراط اللؤلؤ في المناسبات الرسمية أجابت: (أنه لؤلؤ بحريني طبيعي من حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة المغفور له بمناسبة زواجي من الأمير فيليب) كان ذلك عام 1947.

وتاج الملكة أيضاً يحتوي على 269 لؤلؤة، ولا نعرف إذا كانت تتضمن هذه المجموعة لؤلؤاً بحرينياً أم لا؟

وفي أثناء دراستي في دمشق تعرفت على السفير الكويتي في إحدى مناسبات الكويت الرسمية، وعندما عرف أنني من البحرين قال لي: إن زوجتي تحتفظ بعقد لؤلؤ بحريني جميل حصلت عليه كهدية من سمو الأمير الراحل رحمه الله، وهي ما تزال تعتبره أفضل ما لديها من مجموع مجوهراتها، أيضاً التقيت بأحد تجار أثاث الموزاييك، فقال لي إن والده أخبره أن جده كان يستورد كميات كبيرة من أصداف المحار ويستخدمون الصدف لتزيين الأثاث الدمشقي.

ونظّم أصدقاء دلمون المرشدون السياحيون رحلة إلى تونس في سنة 2017 هدفها الترويج للؤلؤ كتراث بحريني، وأخذنا معنا حوالي 500 محارة حية تم نقلها بعناية في صناديق خاصة، وتضمن برنامج الرحلة «أمسية بحرينية» وكان معنا اثنان من المرشدين البحارة ارتدوا اللباس التقليدي وقاموا بفتح المحار أمام الجمهور التونسي الذي شاهد لأول مرة كيف تتم عملية استخراج اللؤلؤ من المحار على الطبيعة، وقد كتبت الصحافة التونسية عن هذه الأمسية وكانت الصحافة الفرنسية متواجدة أيضاً، ونقلت الحدث بالفرنسية إلى باريس، وقدمنا محاضرة عن تراث الغوص وأخرى عن حضارة دلمون.

وبهذه المناسبة لا بد من أن نشكر وزارة السياحة التونسية التي نظمت لنا جولات سياحية خاصة، كما أن الصحافة البحرينية كتبت تحت عنوان «المرشدون السياحيون ينقلون تراث الغوص إلى شمال إفريقيا».

وتوجد لدينا في البحرين فرص حقيقية لتنظيم برامج سياحية لتسويق اللؤلؤ كمنتج سياحي قائم بذاته، على سبيل المثال، أخذ السياح في رحلة بحرية لصيد اللؤلؤ والتعرّف عليها عن قرب، وفي اليوم التالي زيارة طريق اللؤلؤ، الذي يضم عمارات تجار وطواويش اللؤلؤ وبيوت (فرجان) الغواصين، وهي نماذج يفوح منها عبق الماضي وقصص الثراء وآلام البحر، وزيارة متحف الغوص واللؤلؤ (بيت سيادي) وسوق الذهب الذي يتضمن متاجر بيع اللؤلؤ، وزيارة صناعة السفن، ومساءً أخذهم إلى إحدى دور الفنون الشعبية لسماع فن الفجري وصوت النهام الشجي.

وهنا يأتي دور مكاتب الترويج الخارجية، بأن توسع دورها وخاصةً في موسم مهرجان الغوص واللؤلؤ، فكلما زادت خيارات البرامج استطعنا زيادة عدد الليالي السياحية.

لا بد من تفعيل هذه الشعارات (البحرين لؤلؤة الخليج) واستثمارها على أرض الواقع.

+ رئيس أصدقاء دلمون المرشدين السياحيين بجمعية تاريخ وآثار البحرين