منى علي المطوع

مَن يعتقد أن الطرف القلق جداً من وصول طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان يأتي من منطلق الاستعجال بالحكم وعلينا أن نتريث حتى تتبين لنا الصورة كاملة فهو بالتأكيد لم يتأمل الموقف الصحيح لهذا الاتجاه والأصل القائم بأن أهم مبدأ هو أن يكون جميع أفراد الشعب الأفغاني بخير وفي مأمن ويحظوا بحياة عادلة تحترم اختياراتهم في الحياة دون غلو وتشدد وإجبار .

ومَن يدعي أن طالبان اليوم تختلف عن طالبان الأمس ويحاول تضليل العالم بادعاء أنها أكثر اعتدالاً وسلاماً وطالبت بتسليم كابول دون مواجهات مسلحة نقول له: أنت مَن عليك التريث وعدم الاستعجال بالحكم وحاول أن ترى الصورة كاملة وأين كان هؤلاء ومع من كانوا يتعاملون طيلة هذه السنوات وأي الدول التي للأسف منا وفينا وتحسب أنها خليجية كانت تدعمهم وأضحت اليوم تدير المشهد معهم وتجتمع مع قادتهم علانية وهذه الدولة " قطر " لم نرَ منها يوماً سوى دعم الأعمال الإرهابية وتدمير الدول بالفوضى والصراعات فعليكم أن تعذرونا إن لم نكن نحمل أي بريق تفاؤل وأمل بعد كل ما رأيناه من هذه الدولة تحديداً وموجات الربيع العربي المدمر!

كما نقول لهم: لا تغرك الدعايات التسويقية لكسب تعاطف الرأي العام وتأييد الشعب الأفغاني لطالبان فنحن أدرى بالصناعة الإعلامية وهذه الجماعات ومثيلاتها من داعش والقاعدة هم من شوهوا صورة الإسلام في عيون الشعوب بدول العالم وجعلوا صوراً نمطية للإرهابي في أذهانهم مترسخة وصعب تغييرها والضحية كان المسلمون الذين يعيشون أو يزورون تلك الدول فالرجل الملتحي أو المرأة المنقبة باتا شبهة لحين يثبتان أنه لا صلة لهما بالحركات الإرهابية .

أما من أخذهم جو الحماس والجهاد الإسلامي وأخذ يمجد في طالبان وأنها انتصرت على أمريكا ولا يستطيع أن يميز بالأصل بين جهله وضحالته السياسية وبين سياسة أمريكا في المنطقة وأن الانسحاب الأمريكي قد لا يكون انسحاباً بقدر ما هو تكتيك لرمي كرة الحرب والمواجهة بين طالبان والصين وروسيا وإيجاد تحديات إقليمية جديدة لهم في المنطقة وكذلك بين الإسلام الحقيقي ومن يمثله وبين جماعات متأسلمة ننصحه أن يتجه للتفقه في آيات القرآن الكريم وسيرة رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام في التعامل مع غير المسلمين فالإسلام الحقيقي حرّم قتل الدماء البريئة وحرمان المرأة من حقوقها والناس من حرية اختياراتهم ومعتقداتهم في هذه الحياة .

ظهرت في الساحة تحليلات سياسية جراء ما حصل في أفغانستان وأن أحد عوامل تقدم طالبان إلى جانب الانسحاب الأمريكي ما حصل داخل الدولة الأفغانية نفسها فقد عم الفساد والمحسوبيات التي أضعفت الدولة "دائماً ما نقول المفسدين المحسوبين على اتجاه الدولة أشد خطراً وأكثر ضرراً من أعداء الوطن فهم يقومون بما لا يستطيع أعداؤنا القيام به ويحاولونه سنين طويلة " فأصبحت هناك فئات من الشعب الأفغاني تريد التغيير أصلاً ومتخاذلة بما فيهم من هم داخل الجيش والشرطة لذا تقدمت طالبان وأصبحت تسيطر على 21 ولاية من أصل 34 ووصلت إلى مشارف كابل فلولا تغير القناعات الداخلية لما تقدمت بهذه السرعة !

طالبان اليوم في سدة الحكم مما يعني أن هناك تغييرات جديدة طرأت على الساحة الإقليمية لها انعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط بالأخص فيما يتعلق بالتحالفات القائمة وملف الخلايا الإرهابية وقد تنجر المنطقة لصراعات جديدة وبأطراف متغيرة وهذه الصراعات بالتأكيد لها تأثيراتها على الجماعات الموجودة حالياً في العراق وليبيا ولبنان واليمن وكذلك الجماعات التي تؤيد طالبان بدولنا وترفع شعار الدولة الإسلامية وهناك حاجة ملحة لإعادة قراءة المشهد الجاري كما أن هناك أهمية لاستنهاض سياسات أمنية وسياسية رادعة أما الأخطر فهو ما كشفته الوكالات الإخبارية أن طالبان سيطرت على المواقع العسكرية وأن الأسلحة الأمريكية التي تم تزويدها للقوات الأفغانية باتت بيد طالبان أمام استسلام مقاتلي الجيش الرسمي دون مقاومة مما يعني كطرفة أن طالبان حصلت على إمكانيات عسكرية هائلة تدعم حراكها دون دفع فلس واحد! مليارات أمريكا التي دفعت للجيش الأفغاني لتطوير إمكانياته أصبحت بيد الخصم كوليمة لا تخطر على البال وهذا الخصم ما يزال مولوداً حديثاً على إدارة دولة وقيادة المشهد الأفغاني بما يواكب التطور الحاصل ودون ارتكاب كوارث يكون ضحيتها الشعب الأفغاني الكريم .

مندوب المملكة العربية السعودية خلال الاجتماع الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي حول أفغانستان برئاسة المملكة دعا إلى تسوية شاملة بأفغانستان كما أن أمين عام المنظمة دعا سلطات أفغانستان إلى تعزيز الحوار والدعوة لعدم استخدام البلاد ملاذاً للإرهاب مجدداً فهل تكون طالبان على قدر الأمانة الملقاة على عاتقها ولا تخذل تطلعات الدول الإسلامية والمجتمع الدولي؟