استقالة وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة مسألة كانت منتهية أصلاً وتحديداً منذ إنهائه المقابلة مع «قناة الحرة» بطريقة درامية، وذلك بسبب ما تفوه به من كلام وأوصاف تجاه دول الخليج العربي تتقدمهم الشقيقة المملكة العربية السعودية، وهو كلام ووصف لا يصدر إلا عن «عدو صريح».

خلال المقابلة وكأنك تستمتع إلى وزير خارجية يمثل إيران أو حزب الله، تلاحظ بجلاء مدى «الكره الدفين» الذي تجلى في لحظات تهور وعدم ضبط للكلام تجاه دول الخليج والسعودية تحديداً، لغة جسد وكلام بعضه ظاهر وآخر مبطن يعبر عن الكره والحقد المتأصل.

ليست هفوات كلامية أو زلات لسان، بل هي حقيقة ما في قلبه، حاله حال كثيرين يحاولون «اصطناع» الصداقة والمحبة مع دول الخليج العربي رغبة في المال والدعم والإمداد، بينما ما في قلوبهم خلاف ما يدعون، وسخرية القدر تكون دائماً حينما يوضع مثل هؤلاء أمام الكاميرات فيفقدون قدرة «التخفي» خلف قناع الكذب فيسقطون بكل غباء في مستنقع الحقد المتكدس فيفضحهم كلامهم، ويحصل هذا حينما يجدون أنفسهم في موقف فاصل بشأن الجهات الحقيقية التي يوالونها، فهو لن يستطيع انتقاد إيران أو حزب الله، فبالتالي يسقط قناعه.

شربل مجد في إيران و«حزب الله»، وانتقص من الدولة اللبنانية حينما صور «حزب الله» أكبر منها، وحينما وضع حسن نصر الله قائد الذراع العسكري لإيران في الجنوب اللبناني حينما وضعه في مقام أعلى وأقوى وأقدر من رئيس جمهوريته العماد ميشيل عون، ثم بعدها ادعى انسحابه من البرنامج لأنه لم يقبل بأي كلام على رئيس الجمهورية في مسرحية لكسب التعاطف، لكن الرئيس اللبناني كان أول من تنصل من كلام شربل، إذ لا يعقل أن يخسر لبنان دعم أشقائه من دول الخليج العربي والسعودية في المقدمة بسبب تصريحات شخص «غبي» كما وصفته الفنانة أليسا، وشخص «متهور» مثلما وصفه دولة الرئيس سعد الحريري.

بل حينما حاول شربل الاستهزاء بـ«البدو» في إشارة للسعودية، كان واضحاً تماماً بأن هذا «الضعيف» ذاهب إلى مزبلة التاريخ، فبكلامه «أحرج» لبنان كدولة وشعب ورعايا في الخارج، نسي بأن من وصفهم بالبدو هم من منحوا بلاده مليارات لا تنتهي، ليست بهدف المنة بل بدافع وقفة العربي مع أخيه العربي، بدافع النخوة والشهامة العربية النابعة من البداوة العربية التي تربى فيها أشرف البشر رسولنا صلوات الله عليه، فعن من كان يستهزأ شربل المنبطح لـ«حزب الله» وإيران؟!

والله لم يتهزأ إلا هذا الشربل، أولاً على الشاشة حينما بان ضعيفاً وتابعاً لغير دولته، وثانياً حينما تنصل من كلامه رئيس دولته، وبعدها استلمه كل عاقل مدرك في لبنان من مسؤولين وشعب ولبنانيين في الخارج بانتقادات حادة طالبت بخلعه من مكانه وبالاعتذار من السعودية ودول الخليج.

وعليه فإن استقالته ليست سوى مسرحية بروتوكولية ادعى فيها تغليب مصلحة بلاده كما قال، لكنها في الواقع إقالة جبرية من الجميع فور نطقه بكلماته، إذ التهور بالإبقاء على مثل هؤلاء في مناصب يخربون بـ«غبائهم» علاقات متجذرة فيها مصالح لبلدانهم إن ذهبت فلن تعود بسهولة.

تظل السعودية كبيرة شامخة، ومهما حاول كارهوها وأعدائها رشقها بحجارتهم ارتدت عليهم صخور من جبال صلدة لا يقدر عليها إلا العربي البدوي الأصيل المعتز بنفسه وبما يقدمه من كرم ودعم، هي قوية لأنه في نهاية الأمر سيأتي المسيء ليعتذر وسيتبرأ الجميع منه علانية بداخل خيمة عربية بدوية في قلب بيروت.