مشكلتنا، كما هي معظم مشاكل المجتمعات الأخرى في الوطن العربي، هي توهمنا جميعاً أن بإمكاننا الإفتاء في كل العلوم والمعارف. فيحق للإنسان الأمي مثلاً أن يتحدث في مجالات الهندسة، كما يحق لغير المتعلم أن يفتي في علوم الطب، وهكذا. هذه الممارسات البدائية لا يمكن أن تستقيم اليوم، ونحن نعيش في عصر الفتوحات العلمية الكبرى؛ لأننا نؤمن بأهمية التخصصات، وأن يكون المتحدث عن أي علم من العلوم أهلاً لذلك.

إن من أخطر ما يتم الحديث عنه خلال هذه المرحلة تحديداً، هو ما يقوم به البعض من الخوض في تفاصيل وأنواع اللقاحات المتاحة لـ(كوفيد19)، فالبعض من العوام يتحدث عن أهمية أخذ اللقاح الأمريكي، وآخرون ينصحون الناس باستخدام اللقاح الصيني، وبعضهم يحذر من الروسي وهكذا. ولو رأينا أو سمعنا أو عرفنا من هو الذي يُفتي اليوم في علم اللقاحات وأمراض الدم الوراثية وفي علوم البكتيريا والجراثيم، لوجدناهم مجرد أناس عاديين جداً، لكنهم مع كل الأسف، يملكون الثقة الزائدة بالنفس، والتي هي مصدر من مصادر الجهل!

هذه الإرهاصات التي يروج لها البعض، والتي لا تقوم على أي مستندات علمية أو طبية تخصصية، هي التي تشكل نوعاً من الذعر بين أفراد المجتمع في عدم الإسراع بأخذ اللقاح. فبين مصدق لهم ومشكك، يتحير الناس في الذهاب لأخذ اللقاح الخاص بـ(كوفيد19)، من عدمه، إذ إن هذه الإفتاءات الطبية التي يتناولها عوام الناس عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص «واتساب»، جعلت الناس في هرج ومرج وفي «حيص بيص»، فساهم هذا الأمر الغريب بشكل كبير في تردد الناس في أخذ اللقاح.

نعم، من حق كل إنسان أن يناقش ويقرأ ويتعمق أو حتى يمتنع عن أخذ اللقاح، لكن شريطة أن يكون ذلك عن علم ومعرفة ومصلحة، وليس عبر رسائل «واتسابية» مجهولة المصدر، فأي فرد لا يقبل باللقاح فعليه أن يثبت لنا ذلك عن دراية وعلم وقناعة عبر حُجِّية دليله، لكن أن يرفض أخذ اللقاح دون سبب علمي مقنع، ومن ثمَّ يذهب بعد ذلك لإقناع أسرته ومحيطه بشكل اعتباطي بعدم أخذ اللقاحات باعتبارها مضرة وقاتلة، أو كونها مجرد مؤامرة-بحسب تصوراته الشخصية- فهذا الأمر لا يمكن قبوله أو الترويج له بأي شكل من الأشكال، لأنه يتنافى والمنهج العلمي.