في العام 1995م أصدر المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو «إعلان مبادئ التسامح»، وجرى في العام التالي إعلان عام 1996 عاماً دولياً للتسامح. ومنذ تلك اللحظة اكتسبت الدعوة الدولية للتسامح اهتماماً أكبر مما نصت عليه العهود الدولية، ولكن على صعيد الممارسة لم يحد ذلك من تصاعد العنف والإرهاب وكراهية الأجانب، وسوء معاملة الأقليات في مختلف بلدان العالم تقريباً، فضلاً عن انتشار المزيد من الأفكار والتنظيرات العنصرية، كالحديث عن حتمية صراع الحضارات.. ولكن ما أتوقف عنده في هذا السياق، أن مصطلح التسامح في سياقه المتداول، يحيل في الغالب إلى مفهوم العفو عند المقدرة، أو تنازل الأقوياء، لفائدة الأقليات عن بعض الجوانب التي تخص حياتهم الروحية، غالباً ما تكون جزءاً من الدعاية الدينية أو السياسية. فبالرغم من أن الجميع، يتحدث، باستفاضة عن فضيلة التسامح، فإن أغلب المجازر والحروب القديمة والحديثة، قد جرت بناء على اعتبارات دينية أو طائفية أو عرقية أو سياسية، ضمن سياق التمثلات الإقصائية الأحادية، فأدت إلى قتل الملايين أو إسقاط الدول واحتلالها، مع الادعاء بمساندة الحرية والديمقراطية والتمدن. بما يفقد التسامح معناه وقيمته، وذلك لأن مفهوم التسامح هنا، يطرح ضمن موقف الذين هم في المراكز القوية، «الأغلبية الدينية او القومية أو الطائفية أو حتى السياسية»، إزاء الذين هم في مواقع الأقليات «العرقية أو الدينية أو الثقافية أو السياسية»، في حين أن التسامح الحقيقي هو القبول بالرأي الآخر المختلف عنا والسماح له بالوصول. أي القبول بعلوية الحرية، والحق في الاختلاف عن السائد، وفقاً للقانون، ومن دون عنف. هذا إذا كان ذوو القناعات الدينية والإيديولوجية المختلفة، يرغبون فعلاً في العيش المشترك مع الآخرين، في مجتمع ديمقراطي تعدُّدي، يتحقَّق فيه التنوع والاحترام المتبادل، ويسوده السلام. فتكون حرية المعتقد والرأي والموقف حقاً مقدساً للجميع، لا تستقيم الديمقراطية من دونه. ويكون التسامح مستوعباً لمعنى حرّية الآخر، لا فقط في الحقل الديني، بل فيما يتعلّق بالآراء والقناعات الفلسفية والسياسية والشخصية أيضاً، ليتم تنزيل الحرية منزلة الحق المقدس، وليس منزلة المنة التي يتفضل بها طرف قوي لطرف أقل أو ضعيف. بما يعني الاعتراف بالآخر وبحقه في الاختلاف في الفكر وفي الممارسة ضمن إطار القانون الجامع في دولة مدنية ديمقراطية تتسع للجميع، بل يكون التعدد والتنوع الثقافي والعرقي والديني مصدراً للثراء والقوة، إذا ما تم استثماره في مناخ الحرية المحكومة بالقانون، يمكن أن يتحول إلى طاقة فاعلة ومنتجة وإيجابية.
* همس:
كلما سمعت اللحن،
عدت طفلاً
يبيع الماء للماء.
يشتري الورد من الورد
ويقطف الزنابق.
وفي حقول القمح
وروابي السماوات،
يتردد اللحن
على نوافذِ المدينة:
«لا خوف من المنفى
فمعي الوطن»...
أيها الطائر الحزين.