في الميثولوجيا المعاصرة هناك حكاية شائعة اسمها «الحلم الأمريكي»، ملخصه: شخص بسيط يبدأ من الصفر، وبعد تعب يتمكن من الصعود إلى قمة الهرم، فيبني إمبراطورية صناعية أو علمية أو سينمائية. وقد تشهد هذه الرواية تلوينات أخرى، مثل السائق الذي يقود شاحنة، يتحول إلى فنان ثم إلى إمبراطور «فن»، وعندما يموت يتحول إلى رمز مقدس ويتحول بيته إلى متحف وطني، ونظارته إلى تحفة نادرة، وبنطلونه إلى معلم أثري يباع بالمزاد العلني بالملايين، وقبره إلى محج سنوي لملايين العاشقين... وهكذا. ومهما يكن من أمر هذا الحلم فإنه يرسخ مجموعة قيم المجتمع الرأسمالي بوجه عام.

وفي الضفة المقابلة كان هنالك «الحلم الاشتراكي» الذي يعطي القيمة للعمل من خلال صورة العامل الذي يعمل في إحدى التعاونيات، ويتمكن من التفوق في العمل، ويكافأ بميدالية وبسمعة محترمة وربما إطلاق اسمه على التعاونية التي يعمل بها.. وفلسفة هذا الحلم، هي استبدال الحافز المادي بحوافز معنوية تدفع الإنسان نحو الشعور بدوره في إدارة عجلة التاريخ.

المهم أن لكل شعب نموذجاً للحلم يكاد يتحول إلى أسطورة، فما هو الحلم العربي؟؟؟

هل الفقير الذي يبدأ من الصفر، ويصل إلى القمة بفضل إبداعه وجهده وكدحه؟ أم هو الكادح الذي يجد اعترافاً وشهرة؟ أم العصامي الذي يروم إنشاء إمبراطورية صناعية أو علمية أو فنية تغطي العالم فيغامر من أجل تحقيق هذا الحلم؟

الجواب: في الغالب، لا هذا ولا ذاك... فلا أحد عندنا تقريباً، يريد أن يبدأ صغيراً... والذين يبدؤون صغاراً، سيبقون في الغالب صغاراً... أما العمل والسهر والكدح والإبداع... فالكل يعلم أنها لا تجدي وحدها للوصول إلى القمة... فالعامل المجد، يمكن في أن يفوز بمرتبة «موظف الشهر» أو «موظف العام»، أما الذين أرادوا أن يكبروا فقد فتحوا لأنفسهم أو فتحت لهم أبواب أخرى غير هذه الأبواب. حلم «الرأسمالي» عندنا أن يربح من دون تعب أو مجازفة أو ذكاء..أن ينام متى يشاء، وأن يستيقظ متى يشاء، وأن يذهب إلى «العمل» متى يشاء،وألا يحتاج إلى استخدام وسائل النقل العامة، وألا يدرس أبناؤه في المدارس العامة، وألا يدفن في المقابر العامة.

أما حلم «الكادح»، فهو في الغالب الأعم أن يحصل على وظيفة ثابتة، وأن يحافظ على الراتب حتى التقاعد، وعلى المعاش حتى الموت... فتلك في الغالب أحلامهم وأحلامنا.

* همس:

كلما غرد الطير في الوادي،

وضعت يدي على قلبي،

لأشم عطر الربيع القادم.

رنين الهاتف وصوت المذياع،

يحملان الصوت والصمت.

ساعي البريد القادم من الزمن الجميل،

كلما دق جرس الباب،

فتحت له قلبي، والربيع.

عانقتُ الكلمات،

والروائح القادمة من رحلة الزمن المنقضي.

أمشي في الشوارع المدينة المقفرة حزيناً

فأنادي:

«لا خوف من المنفى،

فمعي الوطن والذكرى،

وخيال غربتنا،

ونوافذ النخيل الملونة».