الحضور التركي السافر في الأزمات العربية والعالمية ظاهرة تستحق التفسير! يقول الخبراء: حين تتعقد الأزمات السياسية فتش عن الخارطة. وخارطة التحركات التركية كاشفة عن طبيعة النفوذ الذي تحاول تركيا بلوغه، وآليات تنفيذه.
الخارطة البرية تعبر عن تدخلات تركيا في شؤون جيرانها مثل سوريا التي قامت بدور رئيس في تصدير الجماعات الإرهابية لداخلها، ثم الحرب ضد الميليشيا الكردية المتاخمة لحدودها. وكذلك انحيازها لأذربيجان في حربها الحدودية مع أرمينا. تركيا تريد أن تكون لها اليد الطولى في الدول التي تتقاسم معها الحدود والعرقيات.
أما الصراع البحري فهو الأكثر دقة ومناورة. إنه صراع التنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط. ففي الاتحاد الأوروبي اشتكت كل من قبرص واليونان التجاوزات التركية على المياه الإقليمية لكلتا الدولتين وبدئها عمليات تنقيب وحفر. وقد استعانت تركيا في هذه العمليات بالقطع الحربية لحماية شركات التنقيب التركية. الأمر الذي استفز إيطاليا وفرنسا اللتين عبرتا عن انحيازهما لليونان وإرسالهما قطعاً حربية مساندة.
ثم تتوسع الحركة الجغرافية لتركيا في البحر المتوسط لتصل إلى ليبيا. حيث ساندت حكومة طرابلس ضد الجنرال خليفة حفتر الذي تسانده فرنسا. فتحولت ليبيا إلى ميدان للحرب بالوكالة بين تركيا وفرنسا. واستكمالاً لهذا الصراع في أفريقيا، زار الرئيس التركي أردوغان نيجيريا وأبرم معها اتفاقات أمنية وعسكرية. ثم أبرم عدة صفقات مع مالي. وهكذا تتغلغل تركيا في مواقع الكولونيالية الفرنسية وتحاول اكتساح السوق الأفريقي. وهو ما يفسر الدعوات التركية الصاخبة لمقاطعة البضائع الفرنسية. فأفريقيا هي السوق الكامل لفرنسا.
يضاف إلى ذلك إبرام تركيا والصومال اتفاقية تعطي تركيا حق التنقيب عن الطاقة في مياه القرن الأفريقي. وبموجبها أسست تركيا قاعدة عسكرية لحماية عملياتها. وهكذا تطوق تركيا نفوذها بين البحر الأحمر والبحر المتوسط.
يهدف الطموح التركي لبسط النفوذ على الدول المجاورة والتمدد إلى العمق الأفريقي في الدول ذات الأغلبية الإسلامية، عبر البحر المتوسط لتهديد أوروبا. لذلك يقدم أردوغان نفسه على أنه المدافع الأكبر عن الإسلام وحقوق المسلمين. الأمر الذي قد يؤدي إلى استنزاف ثروات تلك الدول ودمائها في سبيل تحقيق الطموح التركي.