كلنا قرأ وشاهد وسمع عن «طبيب الغلابة» الذي رحل لجوار ربه بشكل نظيف ونزيه قبل فترة وجيزة والذي ذيع صيته في كل العالم. الراحل الطبيب المصري الذي عرف بشهامته ونبله وحسن خلقه وكرمه. الطبيب الذي كان يعالج الفقراء بمبالغ أقل من رمزية، حتى صار مضرب الأمثال في الإنسانية.

لقد تفتقت عقول وقلوب المشاهدين حين عرفوا أن هناك طبيباً في هذا الزمن التجاري يعالج الناس بالمجان تقريباً، وأن كل ما كان يطمح إليه هو أن يكون مساعداً حقيقياً للفقراء والمحتاجين. إذ يعلم الجميع بأن كلفة التطبيب في كل دول العالم باتت مكلفة جداً ومُرْهِقَة، وفق ذلك فغالبية الأطباء والعيادات الخاصة لم تعد ترحم الناس ولا تقدر ظروفهم المادية الصعبة -إلا ما رحم ربي-، ولهذا وبعد رحيل «طبيب الغلابة» حدثت موجة عارمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في كل العالم تطالب كل الأطباء بأن يتخذوا منه مثالاً يحتذى به.

قبل فترة من الزمان ليست بالبعيدة، وحين مراجعتي لعيادة خاصة. وحين دخلت من بابها واستقبلتني موظفة الاستقبال بابتسامتها العريضة، وحتى قبل «السلام عليكم»، سألتني: عندك تأمين صحي؟ فقلت لها كلا، فقالت: إذاً، انتظر شوي!! إن غالبية العيادات الخاصة يقومون بكافة الفحوصات الطبية والمختبرية، لحاجة ومن دون حاجة، لأنهم يدركون جيداً بأن شركات التأمين سوف تدفع لهم فاتورة العلاج الباهظة.

نحن لا نطالب العيادات الخاصة أن تعالج الناس بالمجان، فهذه العيادات لديها التزامات مالية، كرواتب العاملين هناك، إضافة للإيجارات الشهرية، وفواتير الكهرباء والماء والبلدية وغيرها، إضافة للمعدات الطبية، لكن هذه ليست مبررات كافية أو مقنعة بأن تكون فواتير العلاج في الخاص «مجنونة» جداً.

يمكن لبعض المقتدرين أن يدفعوا فواتير العلاج في العيادات الخاصة، لكن هناك من المرضى ليس بمقدورهم شراء حتى الدواء. هذه الفئة وفي أحسن «التقديرات» الأخلاقية، يجب أن تُعامل بطريقة مختلفة، وأن يراعى ظرفها الاستثنائي، ولهذا فإننا اقترحنا من قبل بأن تكون هناك أقسام في المستشفيات والعيادات الخاصة لدراسة أوضاع المرضى من ذوي الدخل المحدود أو الفقراء، لمعالجتهم بمبالغ رمزية.

لا يمكن أخذ رسوم الفحوصات الباهظة والكشوفات الطبية المرهقة من شخص راتبه يتجاوز الثلاثة آلاف دينار أو أكثر، وأخذ ذات التكاليف من موظف راتبه لا يتجاوز 300 دينار أو أقل. ومن هنا، طالب الناس بأهمية تطبيق فكرة «طبيب الغلابة» في البحرين وبقية الدول العربية، وذلك لتفعيل الجانب الإنساني في مهنة الطب، أكثر من الجانب التجاري الصرف... إحياء الجانب الميت من المهنة.