«بعد صلاة العشاء، قال لابنه: ادعُ كل من صلى في المسجد إلى بيتنا لتناول طعام العشاء وأنا ذاهب قبلك لتجهيز المائدة، حضر الابن بعد الصلاة وبمعيته ثلاثة رجال فقط، فسأله الأب: أين المصلون؟ فرد عليه أن لم يصلِ إلاّ ثلاثة، فأبدى الأب اندهاشه قائلاً: أناً رأيتهم وكان عددهم كبيراً، فأجاب الابن: لم يصلِّ إلاّ ثلاثة.. وقفت عند الباب أسأل كل من يخرج من المسجد «ماذا قرأ الإمام»، فما عرف ما قرأه الإمام إلاَّ ثلاثة، وهم الذين صلوا، أما من لم يعرف ماذا قرأ الإمام فهو لم يصلِّ، فضحك الأب».

كانت هذه واحدة من القصص الشيقة التي سمعتها من أحد المقربين في الأيام الفائتة في خضم حديثنا عن الإسلام وروح الإسلام، والعبادة وأبعادها. كنا وقتها قد استحضرنا معنى الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وتساءلنا إذا ما كان لدينا الكثير من المحسنين. بالطبع لا يمكننا إطلاق الأحكام على الناس ولا يحق لنا ذلك، فلسنا بربهم الأعلى، ولكن الحديث كان في قراءة شاملة لحياتنا اليومية راقبنا فيها أنفسنا قبل أن نتقول على أحدهم هنا أو هناك.

كل الآيات القرآنية التي جاءت في غاية الخلق اختزلت تلك الغاية في عبادة الله واستخلاف الله للإنسان في الأرض وعمارة الأرض، ومن هنا جاء تركيز كثير من العلماء على العبادة في إطار الفرائض المعروفة كالصلاة والصيام والحج ومن بينها الذكر والتسبيح وقراءة القرآن والاستغفار وغيرهم من العبادات القولية والفعلية، وزاد عليها آخرين اعتبار العمل عبادة، وقد لا يكون بمنظوري الشخص العمل المقصود الوظيفة التي نعمل بها لكسب لقمة عيشنا وحسب، وإنما الرسالة الروحية لكل منا التي تعكس دور كل فرد منا على الأرض وطريقة استخلافه وتعميره بما يحدد مجاله ومساره.

وسواء كان هذا أو ذاك أو الاثنين معاً، فإننا أمام غاية عظيمة تختزل في العبادة وعلى مشارف موسم عظيم وهو شهر رمضان الكريم الذي نترقب أن يهل هلاله علينا الليلة أو ليلة غد. وبما أننا مقبلون على موسم رمضاني استثنائي هذه المرة، تقل فيه الأنشطة الاجتماعية ونشاطات التسوق والترفيه الخارجية بسبب الظروف الوقائية والاحترازية لمنع انتشار فيروس كورنا، لعلها الفرصة الأمثل لتذوق طعم العبادة على نحو مختلف وعيش تجربة روحية مختلفة على كل المقاييس.

* اختلاج النبض:

لعل زحمة ولهاث الحياة جعلانا نتعامل مع العبادة على نحو روتيني، وكواجب علينا تأديته ضمن جملة واجباتنا اليومية، هذا لله، وواجبات أخرى للبشر ولأنفسنا، وها نحن اليوم نجد كل الظروف مهيأة لننعم بتجربة روحية لطالما وعدنا بها أنفسنا كل عام، ثم سرعان ما تختطفنا البرامج الاجتماعية وكثرة المجاملات أو تسوقنا المفرط لتناول مزيد من الأطعمة والإيغال في تفاصيل التفاصيل لتجهيزات العيد الذي أفرغ من معناه ليتحول إلى ساحة استعراض للأزياء.