حين اكتشفت أن بداوتي تهمة لجهلي رعي الإبل والغنم، عيرت الرفاق أن تحضرهم تهمة بقدر تهمتي، لكن ذلك لم يكفِ. وكان لابد أن أقفز قفزة حضارية، ولأن الزراعة هي خطوة تتلو الرعي، تقاعدت من القوة الجوية، ثم توقفت عن التدريس في الجامعة، وأصبحت مزارعاً متفرغاً، فتعلمت في عقد واحد حب واحترام الأرض ما يساوي نصف القرن الذي قبله. وحين دق الجوع أبوابنا مرافقاً لفيروس كورونا بعد توقف «خدمة طلبات» من المطاعم، لم أجد أن أرضي قادرة على إنبات شيء لملوحة الماء غير التمر والأعلاف. حينها أدركت أن الانتقال من الهامش إلى المركز، هو بسهولة انتقال دول الخليج للمركز في منتصف القرن الماضي بفضل النفط. وعليه، ما الذي يمنع دولاً منتجة للسلع الغذائية الرئيسة من نعيم الانتقال إلى المركز بدل الهامش! هذا السؤال ليس من الأسئلة التي تطرح في الخليج من أجل جواب فوري، بل من أجل القيام بمهمة، لتلافي دور الضحية في تحدي استخدام الغذاء كما استخدمنا النفط سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. والمؤشرات كثيرة، لكن فيروس كورونا هو المحرك الرئيس في تبادل الأدوار الدولية. فقد وضع الوباء 2.5 مليار إنسان في الحجر المنزلي عالمياً، فالمزارعون لن يذهبوا لمزارعهم، الدول التي تصدر الغذاء لدول الخليج قد توفي بالتزاماتها قصيرة الأمد فقط، أما بعد ذلك فتبعات غير محسوبة منها:

1- تقنين التصدير، ففي فيروس كورونا بالكاد يكفي بعض الدول إنتاجها ذلك الموسم، فقد قررت روسيا، أكبر دولة مصدرة للقمح عالمياً، تقييد صادراتها. ومثلها أوكرانيا، إحدى أكبر مصدر للحبوب والزيوت النباتية، ومنعت كازاخستان تصدير منتجات دقيق القمح والسكر وزيت دوار الشمس والحنطة السوداء والخضراوات.

2- ظهور نزعة قومية قد تعرض دول الخليج للابتزاز، فما الذي يمنع باكستان والهند وسريلانكا وفيتنام من تعليق جميع عقود تصدير الأرز والشاي والسكرالجديدة تحسباً لتغير السعر، وبحجة تقييم كفاية مخزونها للاستهلاك الداخلي.

3- المعاملة بالمثل كما كنا نبيع النفط، فالغذاء أولى أن يتحول إلى سلعة استراتيجية، لذا نجد في أمريكا لوحات كبيرة تقول «الزراعة هي صناعة أمريكا الأولى». وبدل الاعتماد على بيع السلاح سيتم الاعتماد على بيع الغذاء.

وتعتمد دول الخليج، على استيراد الغذاء، ورغم أن للخليجيين مزارع غذاء حول العالم. لكن ارتفاع أسعاره لنقص الكميات المُصدرة، يظهر ذلك فوراً في الأسواق الخليجية رغم مخزونها الاحتياطي الذي قيل إنه كافٍ لتثبيت الأسعار.

ولعل المخرج من براثن الأسر الغذائي تتلخص في خطوات لازال بالإمكان القيام بها، منها وضع ضمانات مع الدول المصدرة للغذاء لتأمين الإمداد منها، وشروط حمائية تمنع تأميمها. كما يتوجب على دول الخليج الأخذ الفوري باقتراح الكويت إنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة خليجية موحدة لتحقيق الأمن الغذائي النسبي لدول المنظومة. كما أن دول الخليج منفردة ملزمة بإعادة النظر في ميزانية العام الجديد غير الغذائية، لتخفيف الآثار السلبية لانخفاض سعر النفط.

* بالعجمي الفصيح:

قد تتعرض دول الخليج للابتزاز عبر حاجتها للمواد الغذائية من بعض الدول نكاية بإجلاء رعاياهم، أو معاملة بالمثل كما كنا نبيع النفط.

* كاتب وأكاديمي كويتي