أعداد المصابين بفيروس «كورونا» تتزايد حول العالم، وحتى لحظة كتابة هذه السطور تشير الإحصائيات المباشرة لإصابة مليونين ونصف إصابة، وعدد الوفيات يقارب الـ170 ألف شخص. الوضع بالتأكيد مختلف تماماً عن بدايات ظهور هذا الفيروس، وكيف ظن كثيرون أنه لن يتعدى الصين كبؤرة احتضان، إلا أن عملية التفشي تمت بطريقة متسارعة جداً، وكأنها أحجار «دومينوز» يسقط بعضها بعضاً، واليوم نجد أن ترتيب الصين تراجع كثيراً، وباتت الولايات المتحدة الأمريكية التي تبعد آلاف الأميال هي المتصدرة لعدد حالات الإصابة والوفاة، وبعدها تأتي في عداد الإصابات كل من إسبانيا، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، تركيا وإيران، ومن بعدها تأتي الصين في المرتبة التاسعة.

حالات الانتشار تكشف مدى خطورة هذا الفيروس، فالبلدان الأكثر تأثراً، هي البلدان المفترض أنها أقوى عالمياً وأكثر تطوراً بالنسبة إلى أول ستِّ دول، بلدان كنا نراها أمثلةً ونماذجَ في كثير من الأمور، وبالأخص في مجالات البحث العلمي، والطب، والصناعات والتقدم التكنولوجي، وكذلك الذكاء الاصطناعي، لكنها اليوم تعاني من وضع مقلق، وكشفت الممارسات عن أن ضبط المجتمعات فيها أمر صعب، والتحكم في تصرفات البشر أمر يكاد يكون شبه مستحيل.

حكام الولايات المختلفة في الولايات المتحدة خرجوا بخطاب «يتوسلون» فيه إلى الناس للبقاء في بيوتهم، وكذلك فعل كثير من صناع القرار وذوي مواقع المسؤولية في الدول الأوروبية، وكانت الخطابات في فترة ما تشعرنا بأنه من الصعوبة بمكان ضبط المجتمع، وإقناع الناس بالجلوس في بيوتهم وتجنب التجمعات، إذ في مناطق عديدة في تلكم الدول، وتحديداً المواقع السياحية انتشرت مقاطع فيديو تبين كيف يمضي الناس هناك حياتهم بشكل طبيعي جداً، دون أية احترازات أو إجراءات وقائية ضد الفيروس، بل دون أدنى اكتراث بما تنصحهم به الأجهزة الرسمية المعنية في تلك الدول، وبالتالي كانت هذه النتيجة المخيفة.

بعض الحالات المصابة في الولايات المتحدة، كانت لها فيديوهات ومقاطع سابقة وهي في منتجعات سياحية، وعلى الشواطئ، وفي حفلات صاخبة، مع تصريحات مسجلة بأنهم سيحتفلون ولن يكترثوا بالفيروس، مقللين من حجم تأثيره ومدى انتشاره، وبعدها تبين أن كثيراً من هؤلاء المستهترين أصيبوا بالمرض.

دائماً نراقب الوضع العام، واليوم في ظل العزلة والبقاء في المنزل، كثيرون يراقبون أخبار العالم على مدار الساعة، وباتت لديهم صورة واضحة عن حجم المعاناة التي أصابت دولاً عديدة، وكيف أن هذا الفيروس تفشى بشكل رهيب وكأنه طوفان لا يمكن وقفه، وبديهياً تكون المقارنة حاضرة بالنسبة لواقعنا المعيش في البحرين، وهي مقارنة تخلق لديك انطباعاً مباشراً بأن وضعنا أفضل من الكثيرين، وأن الفيروس لم يتمكن من مجتمعنا مثلما تمكن من مجتمعات متقدمة، وهنا يأتي البحث عن الإجابة، والتي تتمثل في إطار معادلة مكتملة الأطراف، طرفها الأول الإجراءات الاحترازية والوقائية وإجراءات التعامل مع الحالات التي قامت بها البحرين، والطرف الآخر هو الشعب الذي أثبت وعيه، وحرص على الالتزام بالتوجيهات والإرشادات، وهو أمر حاصل لأن إثباته هو أعداد المصابين وأعداد المتشافين بالنسبة إلى حجم البحرين وتعدادها السكاني، في مقابل تفشي الفيروس بين أعداد العمالة الوافدة نظراً لعدة عوامل أبرزها الوعي والسكن، وهي أيضاً مسألة بذلت البحرين جهوداً للسيطرة عليها ومعالجتها، وبإذن الله كلنا تفاؤل بأنها ستثمر عن نجاح تحقق «الانحسار» لهذا الفيروس.

طالما التزمنا، وساعدنا الدولة والحكومة في ما تقوم به من إجراءات، تتعزز الثقة بأننا قادرون بإذن الله على تخطي هذا الخطر والسيطرة عليه.

* اتجاه معاكس:

زرع الثقة في المجتمع خاصة في ظل هذه الأزمة الصحية، أمر لا بد منه، والسبب ترقب الناس لكل جديد من إجراءات وقرارات هدفها حمايتهم، ورسالتها أن الوضع تحت السيطرة، وأن بلادنا بخير. ومن اللقطات الجميلة التي تعزز لدى الشعب البحريني الثقة ما شهدناه بالأمس من نزول ميداني لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ولي العهد حفظه الله، وزيارته لعدة أماكن معنية بالإجراءات الصحية من حجر وعزل ومعالجة، ووحدات التعامل الصحي، والملفت أن الأمير سلمان ذهب لتفقد الأمور، ولتقديم الشكر والتقدير للكوادر الطبية، وهو مرتدٍ «للكمام الطبي»، في رسالة توعوية بحد ذاتها، معنية بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة، لكن سبقتها رسالة أكثر أهمية، تتمثل بنزوله الشخصي وتجوله بشكل ميداني، هي رسالة تقول إننا بإذن الله «بخير»، كونوا على ثقة واجعلوا التفاؤل أمام أعينكم.