بين ليلة وضحاها استيقظ العالم كله على جائحة بسبب فيروس كورونا، (كوفيد 19)، فيروس لا يرى بالعين المجردة بل حتى لا يرى بالميكروسكوب العادي. هذه الجزئيات الضئيلة جداً قلبت العالم الكبير جداً رأساً على عقب وألحقت به أضراراً نفسية وبدنية واقتصادية واجتماعية وروحية.

لا أحد يستطيع النكران بأن ما يحدث هو جائحة عالمية، فالفيروس سريع الانتشار ولم يستثنِ أحداً لا بسبب دين أو ملة أو رئيس وزراء أو عامل مغلوب على أمره أو ممثل مشهور أو شخص مغمور ولا طفل رضيع ولا مسن ولا رجل ولا امرأة فالكل عنده سواسية. ولم يترك قارة ولا بلداً ولا مدينة إلا وأصاب سكانها وانتشر بين أحيائها.

تسابقت الدول في احترازاتها فمن قفل الروضات والمدارس والجامعات إلى قفل جميع أماكن العبادة بما فيها المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي الشريف في المدينة. وحول العالم كل الكنائس والمعابد في وقت أحوج ما يكون الناس إلى ممارسة شعائرهم الدينية. وتكبد الكثير من أصحاب المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة خسائر اقتصادية كبيرة. وخسائر اجتماعية حيث توترت العلاقات الأسرية بسبب الحجر المنزلي فزادت نسبة الطلاق. أما الخسائر البدنية فتمثلت بعدد المصابين بالمضاعفات والوفيات والخسائر النفسية بارتفاع معدلات القلق والخوف.

نعم إنها مصيبة حيث إن أضرارها وخيمة وتبعياتها جسيمة ولن يكون العالم بعد (كوفيد 19) كما كان قبله. ولكن مهلاً هل يمكن أن يحدث أمراً في هذا العالم بدون إرادة الله أو علمه بالطبع لا ولا ولا. والله أعلم بنا من أنفسنا وأرحم بنا من أمهاتنا. فكل قضائه وقدره خير ولو كرهناه، والحقيقة إن تأثير الظروف يشكل 10% على حياتنا في حين ردة فعلنا تجاهه تشكل 90%، نعم إنها حقيقة ما يصنع الفرق هو ردة الفعل وليس المؤثر. لذا بإمكان أي فرد منا أن يغير من ردة فعله ويبحث عن بصيص النور في الظلمة السوداء.

والبحرين بقيادتها الملهمة وحكومتها المتعاونة المتكاتفة وكوادرها الطبية والتمريضية المؤهلة ومجتمعها الواعي نتج عنها فريق البحرين، نعم فريق متميز ومبدع في رده فعله تجاه الجائحة. بكل مصداقية وشفافية وشراكة مجتمعية واسعه. فلننظر إلى إيجابيات الجائحة تعليم وعمل عن بُعد ليشكل تدريباً عملياً لمرحلة آتية شئنا أم أبينا مع الثورة الصناعية الرابعة المتمثلة في اختراق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في عدد من المجالات. حراك مجتمعي تطوعي على مستوى الأفراد والجمعيات. وتكامل وتعاون بين الوزارات بمستوى لم نشهده من قبل.

في رأيي الشخصي المتواضع إن الله أراد لنا أن نعيد حساباتنا وترتيب أولوياتنا فكم أجلنا من أمور هامة غير عاجلة وانشغلنا بأمور عاجلة غير مهمة بأعذار واهية كعدم توفر الوقت، فها هو الوقت متوفر لديك فما عذرك الآن؟ وبسبب العمل ومشاغل الحياة فقدنا التواصل النوعي مع أنفسنا وأرواحنا ومن يهمنا أمره، والأهم من كل ذلك فقدنا التواصل مع ربنا وخالقنا ولعل فترة الحجر المنزلي والتباعد الجسدي أفضل وقت للتواصل مع ربك وأهلك ونفسك.

الخيار بيدك بأن تكون في موقع مُصدر الأحكام وتعيش في قلق وخوف ونقد سلبي لذاتك وللظروف والآخرين أو أن تكون بموقع المتعلم وتسأل نفسك ماذا يمكنني أن أتعلم من هذه الجائحة؟ ما هي خياراتي؟ وكيف أستثمر وقتي؟ فلا تستهين أبداً بدورك. وكل فرد منا يمكنه أن يصنع الفرق. وعندما يقوم كل فرد بدوره تتكامل الأدوار ونخرج من الأزمة ونحن أقوى وأكثر خبرة وعلماً لمواجهه تحديات ما بعد (كوفيد 19).

* نائب رئيس جمعيه البحرين لتسامح وتعايش الأديان