من القصص الطريفة التي قرأتها في مواقع التواصل الاجتماعي جراء الحجر المنزلي، قصة أم تتحدث عن ابنتها الصغيرة ذات الثلاث أو الأربع سنوات التي لاحظت وجود الأب بشكل متكرر في البيت، لتتساءل «أمي.. هل سيسكن أبي معنا في البيت؟!!». قد يبدو هذا التساؤل مضحكاً في بادئ الأمر لطفلة ظريفة قررت أن تفهم غياب الأب عن البيت في وقت سابق على أنه كان يقطن في منزل منفصل، وكأنه قرر للتو مشاركتهم سكنهم. ولكن في أعماق تلك القصة يكمن الغياب المؤلم لكثير من أفراد البيت عن منازلهم وأسرهم لفترات طويلة، ليبدو السكن مع الأهل مسألة شكلية لا أكثر.

الأمر لا ينطبق على نطاق الزوجية وحسب، بل يشمل الأبناء القاطنين في بيوت أهلهم، ويشمل كثير من الحالات الاجتماعية المختلفة. ولكن في حقيقة الأمر يوجد كثيرون يمارسون أنشطة وبرامج حياتية يومية أغلبها خارج المنزل ومع غير أفراد العائلة، من أجل العمل حيناً، والترفيه مع الرفاق حيناً أخرى، ومن أجل ممارسة الهوايات والأنشطة المحببة بعض حين، وربما من أجل السعي لكسب العيش في عمل إضافي، ما يجعل الغياب عن المنزل متواصل طوال الوقت، ويحوله إلى فندق مخصص للنوم والأكل وحفظ أغراضنا وما شاكله من أدوار، فإذا ما سألتهم عن أبسط الأمور المتعلقة بأحد أفراد الأسرة جاءك الجواب الصادم «لا أدري» فيما أنها من المعلومات التي قد تبدو بديهية بين الأهل.

من باب الإنصاف القول إلى اضطرار البعض لممارسة تلك الأنماط الحياتية المعقدة لاعتبارات مادية أو اجتماعية أخرى، أو نظراً لأن طبيعة عملهم تستغرق ساعات عمل إضافية كالكوادر الطبية والأمنية في بعض الأحيان، وإن كان البعض قد خلق أسلوب حياته الخاص بمعزل عن أهله تماماً دون مبرر منطقي أو داعٍ لذلك. لعل بعضهم قرر أن يمارس ذلك الزخم الحياتي خارج المنزل للخروج منه، وللهرب من الواقع المعاش في الداخل، سواء بدعوى فوضى الأطفال وكثرة الطلبات والمضايقات المتواصلة، أو بدعوى المشكلات الكثيرة وتوتر العلاقات مع شركاء السكن من الأهل أياً كان موقعهم من العائلة. ولكن بعض الغائبين عن منازلهم يمكنهم التعويض بشكل نسبي من خلال التواصل المستمر والفاعل مع الأهل ومتابعة احتياجاتهم وأمورهم وكذلك مستجداتهم على المستويات الاجتماعية والنفسية والمهنية وغيرها بما لا يشعر الآخرين بذلك الغياب إلى حد ما، ومنهم من يهمل كل شيء بدعوى الا نشغال وكأنها فرصة حلّت عليه من السماء للعيش بمعزل عن أهله وأحبته.

* اختلاج النبض:

بعض الهاربين من المنزل، يواجهون اليوم كارثة عنوانها «خلك في بيتك»، ولكن لم عسانا أن نعتبرها كارثة؟ فلتكن تلك فرصتك للتعرف إلى أهلك من جديد. نعم تعرف إلى أهلك حقيقة وليست مجازاً، تقرب منهم، حاول أن تفهمهم وتعرف احتياجاتهم أكثر، تفاعل معهم، غص في أعماق عقولهم وقلوبهم، اترك أثراً في نفوسهم، عوض ما مضى من غياب وانعم بصحبتهم. شاركهم اللعب والأحاديث، قاسمهم اهتماماتهم، أياً يكن موقعك في الأسرة، كن أنت البادئ في رحلة تعارف جديدة.