في نفس الليلة التي أعلنت فيها الجهات الرسمية في البحرين إغلاق دور السينما والمراكز الرياضية ومقاهي الشيشة منعاً للتجمعات وحرصاً على عدم تفشي وباء «كورونا» تفقدت مع صديق بعض المجمعات والشوارع التجارية فوجدناها شبه خالية. الناس لزمت بيوتها خوفاً على نفسها وعائلاتها من التقاط الفيروس الذي لا علاج له وهذا أمر إن دل على شيء إنما يدل على وعي عالٍ بمخاطر الخروج بدون سبب في ظل وضع وبائي غير معروفة تبعاته ونتائجه.

بعدها، انتقلنا من باب الفضول إلى إحدى المقاهي التي كانت على مشارف الإغلاق، حيث كان الصديق مصراً على معرفة حال مدمني الشيشة في أيام فيروس «كورونا» خاصة وأنه من أشد المعارضين لمشاريع مقاهي الشيشة التي غزتنا ولخبطت ثوابت الترفيه لدينا. وقبل الوصول إلى المقهى، كان يردد «أشك أن المدمن سيمنعه كورونا أو أي شيء آخر من ملء صدره بدخان التبغ»!

دخلنا المقهى لنلقي نظرة الفضول، فإذا به فارغاً إلا من بضعة أشخاص، بعضهم نساء. هنا تنهد الصديق وخاطبني قائلاً «ما نراه هذه اللحظة هو مثال صريح للإدمان الذي يجبر الإنسان على المخاطرة بحياته وحياة أهله وأسرته في أيام الوباء الخطير من أجل «نفس» شيشة». وأضاف «الأشخاص الجالسون هنا الآن وعلى الرغم من كل التعليمات بتجنب هذه الأماكن، هم من سيطرت عليهم الشيشة وسلبت حريتهم ولن يفيد معهم تحذيرات صحية كانت أو اجتماعية».

ونحن نهم بالخروج، التفت الصديق علي وقال «انتبه للمرأة الجالسة في الزاوية لوحدها، سأحدثك عنها في السيارة». ركبنا السيارة، وبدأ الصديق في الحديث، «هذه المرأة زميلتي في العمل، ولديها أطفال، تتركهم وحدهم يومياً صبحاً وعصراً ومساءً من أجل تدخين الشيشة غير مكترثة بتربية أو رعاية أو بوباء وأمراض، هذا ما أسميه «إدمان وضياع وهدم متعمد للأسرة». وأضاف «أمثالها من نساء ورجال أضاعهم الإدمان ودفعهم للاستهتار».

أثارني موضوع المرأة التي تحدث عنها صديقي، فلم أتصور أن يخاطر إنسان بكامل قواه العقلية بأسرته وأطفاله من أجل نفخة دخان خاصة في ظل وضع وبائي خطير. وخلال أيام انهمكت في القراءة عن أضرار الشيشة ليس على الصحة فقط بل على الأسرة فوجدت تصريحاً صحفياً للفاضلة، هالة رمزي فايز، عضو مجلس الشورى ورئيس لجنة شؤون المرأة والطفل تذكر فيه أن المرأة التي تذهب لتدخين الشيشة يومياً وتقضي ساعات طويلة في المقاهي تاركة أطفالها من غير رعاية تعتبر مهملة. ومما لا شك فيه أن الرجل الذي يتردد يومياً دون هوادة على مقاهي الشيشة للتدخين ويقضي فيها ساعات ينطبق عليه نفس الكلام.

وسارعت بالحديث مع الفاضلة فايز حول تصريحها، فقالت «لو بيدي لأغلقت كل مقاهي الشيشة». فالسيدة الموقرة، الأم والزوجة، والتي تمثل المرأة الحديثة الناجحة، يزعجها كثيراً تصرفات جيل هذه الأيام الذي أباح التدخين لنفسه رجالاً ونساء ضاربين عرض الحائط جميع المحاذير الدينية والطبية والأسرية والاجتماعية.

البعض، يجرب التبغ أو الكحول أو حتى المخدرات «والعياذ بالله»، من باب التسلية مع الأصحاب أو من باب إثبات الرجولة والاستقلالية - بالنسبة للرجال - أو من باب التحرر والمساواة - بالنسبة للنساء - لكن المعروف والمثبت أن سرعان ما تتمكن هذه المواد القاتلة من الإنسان وتجعله أسيراً لها تتحكم فيه وفي مزاجه وفي حياته وتغيبه عن مسؤولياته ولا يتفكك من قيدها إلا من رحم ربي وبعد سنوات من العلاج.

وأجد نفسي من أشد المؤيدين لإغلاق مقاهي الشيشة غلقاً تاماً في أيام الوباء وتقليص عددها قدر الإمكان بعد ذلك وتشديد الرقابة الصحية عليها. وأبين أن الفاضلة هالة فايز، تمنت في نهاية حديثها معي، أن تتخذ إجراءات تحذيرية جادة لمرتادي مقاهي الشيشة لتنبيههم حول مخاطر تدخين التبغ من الخرطوم الذي يتجاوز خطره تدخين السجاير حسب كل الدراسات خاصة بعد أن استشرى تدخين الشيشة بين الشباب.

الفرق بين مرض فيروس كورونا ومرض الإدمان أن الأول قد لا يكون للإنسان دخل فيه كثيراً، فهو بلا شك ابتلاء رباني وحالة مفاجئة لم يكن لها مقدمات، أما الثاني فيجلبه الإنسان لنفسه بسبب لحظات طيش أو تسلية، تتحول مع مرور الوقت إلى إدمان ومآسٍ. والأشنع أن يجتمع خطر فيروس كورونا مع خطر الإدمان في مكان واحد. النتيجة قد تكون قاضية.

الإدمان بأشكاله يصفه المثل الذي يقول «يا ماشي درب الزلق لا تآمن الطيحة».