في داخل كل منا رغبة في أن يحقق شيئاً وأن يكون له بصمة في الحياة، الفرق في الأمر أن بعضنا يتمتع بالجرأة والإرادة والطموح بما يكفي للسعي نحو تحقيق ذلك الهدف، فيما يتقاعس آخرون عن السعي خلفه متوارين خلف أعذار وعوائق وهمية من صنع العقل وهي ما يسميها المشتغلون في علم النفس والتطوير الذاتي «الأصنام العقلية» والتي هي بمثابة خبرات أو مشاهدات سلبية أو توكيدات خاطئة بُرمجت عليها أدمغتنا في وقت سابق من حياتنا. ولربما من الإنصاف القول إن غالبية الناس في الحياة من أصحاب الطموح والساعين لتحقيق تطلعاتهم، غير أن بعضهم يصيب في مسعاه ويوفق فيكون نموذجاً ناجحاً أو نموذجاً مبدعاً إذا ما التقى بقيمته العليا، ويتعثر آخرون ـ وهم الأكثرية- فيدخلون في دوامات التيه وضياع الهدف والمسعى إلى غير وجهة واضحة.

إن المتمسكين بجد بطموحاتهم أو الباحثين عن أنفسهم في زحمة الحياة، تجدهم أكثر من يسعى للاستفادة من تجارب الآخرين من حوله، والاطلاع على قصص النجاح لمن هم في المكانة التي يتمنى الوصول لها أو يرغب في التمتع بما لديهم من صفات يرى أنها قد تخدمه في تحقيق أهدافه. ولذلك تجد في المكتبات عدداً لا يستهان به من الكتب إنما يتناول السير الذاتية وقصص النجاح، بل وأحياناً قصص الفاشلين الذين هبطوا من القمة من باب تجنب الوقوع في أخطائهم، وفي الحقيقة كل تلك الموضوعات وغيرها مما يندرج في نطاق «تعلمت من الحياة»، بل أن الأخير واحد من أكثر العناوين الرائجة لدى كثير من الكتاب مع تعديلات خفيفة في الصياغة وربما أحياناً تأتي كما هي دون بذل أدنى جهد إبداعي لتغيير العبارة.

بالأمس أشرت إلى حديث للدكتور سلطان العثيم في إحدى دوراته المميزة، عندما قال «فلنتعلم للحياة»، وهو ما استوقفني كثيراً وكان دافعي نحو البحث عن فرص حقيقية للتطور، وعندما أقول حقيقية فهي ليست من كلمات الحشو التي قد تضمن المقالات للإكثار من عدد الكلمات بل أعنيها بالفعل، بمعنى أن بعض ما نعتبره فرصاً للتطوير إنما يتناول القشور ولا يدخل وإيّاك في العمق لإصلاح الرواسب النفسية والعقلية الداخلية لديك، أو لوصولك لقيمتك العليا التي عليها يبنى كل شيء في حياتك، وبمعنى أن سبر أعماق النفس البشرية وفهمها والوصول إلى مفاتيحها الفاعلة لتحقيق الأهداف في الحياة، لا يضعنا على طريق السعادة وحسب، بل هو نموذج حقيقي للتعلم من أجل أن نعيش الحياة لا أن نتعلم منها.

* اختلاج النبض:

فلنمنح أنفسنا الفرصة التي تستحقها، ولنتعلم لنحيا حياة طيبة ونؤدي رسالتنا على أكمل وجه، بشغف وحب وسعادة إلى ما لا نهاية.