يحدث أن تلتقي بأحدهم في حياتك فتجد أنه حب عمرك أو لنعيد صياغة التسمية على نحو أدق، تسميه «شريكك الروحي»، فتقول صدقاً لا مجازاً إن حياتك قد بدأت منذ التقيته، وأن ما قبله لم يكن حياة، بل كان مجموعة من التراكمات والمعاناة والتيه والألم بدرجات متفاوتة، وإنك لم تكن لتحيا إلاّ بعد أن التقيت به ووجدت به ضالتك في الحياة. في سياق مختلف تماماً لعلك قد سمعت خواطر بعض الذين أعلنوا إسلامهم وما قالوه في بدايات ذلك الإعلان، وكيف أنهم لم يتذوقوا للحياة طعماً من قبل، ولم يعرفوا ماهية الحياة وروعتها إلاّ عندما تعرفوا إلى الإسلام ودخلوا فيه، وربما قصص التائبين من معاصٍ عدة شبيهة بذلك. ولكني لن أسهب في هذه الأمثلة، فلست في سياق الدعوة المباشرة وإنما أردت أن أجعل من ذلك التحول مدخلاً رئيسياً لفهم معنى الحياة واكتشاف حقيقتها.

إن القاسم المشترك بين النماذج الثلاثة الفائتة ليس الدين، وإنما البعد الروحاني، سواء تمثل على نحو مباشر بالاتصال بالله والعودة إليه، أو من خلال ما نألفه من أرواح نحسب أنها رفيقنا ليس في الحياة الدنيا فقط، وإنما رفيقنا الأبدي الذي سنجتمع به في الجنة، وهو ما يجعلنا نميز ونشدد على التمييز بين الشريك الروحي «وهو رفيق الرحلة الدنيوية والشريك الحقيقي في الآخرة»، وبين شريك حياة قد لا تتعدى القواسم المشتركة بين الطرفين الجوانب المادية كالجسد والمسكن وغيرها بمعزل عن الروح والفكر.

ونحن نمضي في الحياة، نحتاج إلى الجانب الروحاني بشدة لاستقامة الأمور، فحياة منزوعة من الروحانيات هي حياة مادية مجردة وفارغة مهما حاولنا إكسابها المعنى، وقد يبدو في ذلك القول نوع من المغالاة إلاّ لمن اختبر التجربة الروحية، عبر التدرج في مراحل الوعي، ومن المثير حقاً أنك تلمس البعد الروحي ذاك منذ مراحلك الأولى في اعتلاء سلم الوعي الإنساني، الوعي المرتكز على اكتشافنا الصحيح لرسالتنا الروحية «القيمة العليا»، والمدعم بالسعي لأداء تلك الرسالة لتجد نفسك متحداً مع الكون وجزءاً فاعلاً منه، إذ تؤدي أمانتك التي قبلت بها حين اعتذرت عنها الجبال والسماوات والأرض.

* اختلاج النبض:

إن رحلة الوعي التي نتحدث عنها قد تطول وتقصر حسب ما وصل إليه كل منا، وقد تختلف تجربة كل منا فيها حسب خبراته وسيناريوهات حياته ومقدرات الله له، فضلاً عن الاختلاف الذي تسهم في خلقه الاختلافات بين البشر في رسائلهم الروحية. قد يكون الحديث عن الرسالة الروحية غريباً لدى البعض ويظنها مهام منوطة بالأنبياء فقط، أو أنها مهام ذات ارتباط بالدين وحده، وإنما هي قيم حياة وأسلوب حياة لو أحسنا أداءها، وسرعان ما سيجد من يختبر التجربة، أن ارتقاءه السلمة الأولى من الوعي الإنساني واكتشافه لرسالته الروحية في الحياة، إنما هو بداية حياة جديدة، يدرك أنه لم يكن قبلها حياً بالمعنى الإنساني الحقيقي الفاعل. ولعل من الجميل ما ذكره د. سلطان العثيم في إحدى دوراته مما يعزز أن المضي قدماً في طريق الوعي حياة مستقلة قوله «فلنتعلم للحياة» ونترك ما تعلمناه من الحياة. إلى الملتقى غداً.. لننطلق من حيث انتهينا اليوم.