منذ افتتاح جسر الملك فهد في 25 نوفمبر من العام 1986، بحضور الراحلين الكبيرين الملك فهد بن عبدالعزيز وصاحب العظمة أميرنا الوالد الشيخ عيسى بن سلمان، طيب الله ثراهما، وهذا «الشريان» الهام الرابط بين المملكتين الشقيقتين «ينبض» باستمرار دون توقف.

بالفعل، كما الشريان التاجي، تجد، وأتحدث مجازاً هنا لتقريب الصورة ليس إلا، تجد تدفقات كريات حمراء وخضراء، كلاً باتجاه المسار الآخر، جيئة وذهاباً، وتعدت المسألة ليكون هذا الشريان رابطاً لدول الخليج جميعها ببعض، أي تجد كريات دم ملونة أخرى ترمز لبقية الدول، وتتداخل في هذا الشريان، الذي يربطهم تحديداً بـ»لؤلؤة الخليج العربي» مملكة البحرين.

منذ 34 عاماً وهذا الجسر يحمل لكل مواطن خليجي، ذكريات أثيرة، ألا تذكرون كيف كان جسر أخوة ومحبة لإخواننا الكويتيين الذين قدموا لبلدهم الثاني ضيوفاً كراماً أعزاء، بسبب الغزو العراقي الغاشم في عام 1990؟! كان جسراً حمل كل معاني الحب السامية والأخوة التي لا تذبل. هو الجسر الذي حمل قوات درع الجزيرة حينما انتقلت إلى أرض البحرين لتحمي منشآتها الحيوية من شر المحاولة الانقلابية المدعومة إيرانياً في عام 2011؟! هو الجسر الذي عبره الملوك والحكام، وعبرته شعوب الخليج، وعبره الزائرون والمسافرون، وعبرت منه الصادرات والواردات.

نعم، أكتب عن هذا الجسر بشجن، لأنه رمز لعلاقة مميزة خالدة صلبة تربط بين البحرين وشقيقتها الكبرى السعودية، هذه الأخيرة التي كانت دائماً وستظل أبداً درعاً منيعاً، وحصناً عتيداً، وحضنا فيه تجد آلاف البحرينيين عاملين وتجاراً ودارسين، والعكس أيضاً، بحريننا هي الوجهة الأولى لسكان المنطقة الشرقية في المملكة، فهم أصحاب النسبة الأكبر من الزائرين الدائمين أسبوعياً، بالتالي تأثيرهم الاقتصادي عبر السياحة وحتى التجارة هام ومؤثر بالنسبة للبحرين.

الإجراءات الاحترازية والوقائية لمواجهة تفشي فيروس كورونا فرضت على دول العالم اتخاذ قرارات صعبة، لها تداعيات مؤثرة بالضرورة في شتى الجوانب، والبحرين من ضمن الدول التي قامت باتخاذ إجراءات عديدة، واستمرت حتى الأمس الذي أعلن فيه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد ولي العهد حفظه الله عن وقف المشاركات الخارجية الرسمية، من ضمن حزمة الإجراءات الوقائية. وسبقتها إجراءات التعامل عند المعابر والمنافذ بحيث تحرص البحرين على منع أي انتشار للفيروس، وضبط الحالات وإخضاعها للعلاج والحجر الاحترازي، والحمد لله ما قامت به البحرين حظي بالإشادة العالمية، وهو أمر يبعث على الفخر والاطمئنان في ذات الوقت.

لكن الحق يقال هنا، بأن وقع إغلاق المعبر البري الوحيد الذي يربط البحرين بأرض الخليج العربي، وتحديداً أرض الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، كان له وقع صعب على البحرينيين، فمن أوضاع صعبة طالت البحرينيين العاملين في المملكة الشقيقة من ناحية التنقل، وتحوله من تنقل «سلس» إلى «صعب» و»معقد»، مروراً بتأثيره الاقتصادي وحتى السياحي على الجانبين، وهو الأمر الذي أثار حديثاً في الشارع البحريني داخلياً، ننقله لأشقائنا في السعودية لأهميته، يتمثل بطلب فتح الجسر مجدداً، مع اتخاذ إجراءات احترازية أكبر ومكثفة تضمن مرور الأشخاص غير المصابين، وتتأكد منهم فرداً فرداً، بحيث لا تتأثر بالتالي أعمالهم وتتضرر أرزاقهم، ولا تتعطل تجارتهم، ولا تتأخر التجارة البينية والسياحة بين الجانبين.

حتى أن بعض أعضاء مجلس النواب البحريني تناولوا موضوع إغلاق الجسر، وبينوا أهميته البالغة، وطرحوا فكرة أراها شخصياً مثالية لو طبقت بالشكل الأمثل، وتتمثل بإيجاد لجنة تنسيقية مشتركة بين الجانبين البحريني والسعودي مقرها الجسر نفسه، لجنة مهمتها إدارة الأزمات، وتطبق العمليات اللازمة لفحص العابرين واتخاذ الإجراءات الوقائية والاحترازية، وتعمل على مدار الساعة، بحيث يكون بالتالي الجسر معبراً مفتوحاً، لكن لا يعبر منه إلا غير المصابين أو المشتبه بإصابتهم، أو العائدين من دول تفشى فيها الفيروس.

كلنا ثقة بأن يعود «الشريان» الهام بين مملكتينا لـ»النبض» كعادته، وهو أمر سيتم بإذن الله، لكن التعويل بشأن السرعة، مع ضمان السيطرة والتعامل الاحترازي والوقائي المتكامل، وهو أمر قادرة عليه الأجهزة المعنية في السعودية والبحرين بكل تأكيد، خاصة لو كان نتيجة منظومة عمل متكاملة معنية بجسر الملك فهد.

حفظ الله دولنا وشعوبنا والإنسانية جمعاء من كل شر ومرض وبلاء، فمثل هذه المحطات في حياتنا تعيدنا دائماً لإنسانيتنا، تذكرنا دائماً بأن هذه الحياة أغلى ما فيها الصحة والأمن، وأجمل ما تتضمنه هو مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان.