مثل آلاف غيري هلعت من موضوع تفشي وباء كورونا، وبدأت أترصد الأخبار لعلي أجد من بينها ما يطمئنني، ولكن الأخبار كانت تزيد من توتري وقلقي، حتى بدأ الوسواس يصور لي أنني أحمل أعراض الإصابة بالفيروس.

وفي ظل القلق والتوتر الذي كان يسكنني، كان يُقال لي «إنها ليست المرة الأولى، انتشر وباء سارس، وإنفلونزا الطيور، وغيرها من الأمور المتشابهة.. وكنت أجيب «كيف تم السيطرة على انتشار هذه الأوبئة، كيف تم التعامل معها؟؟ أنني لا أتذكر شيئاً مطلقاً، لا أتذكر كيف تم احتواء هذه الأوبئة!!».

وبدأت أبحث من خلال محركات البحث، علني أجد إجابة أستفيد منها فيما نعاني منه حالياً، كل ما وجدته معلومات متناثرة لم تروِ ظمئي للمعلومة التي كنت أبحث عنها، لا سيما تلك المعلومات المتعلقة بكيف استطاعت مملكة البحرين التعامل مع وباء سارس؟؟ أي دراسة أو بحث؟؟ ولكني توصلت إلى معلومات تاريخية هامة حول سنة «الرحمة» أو كما كان يطلق عليها سنة «الصخونة» عام 1918، والتي انتشر فيها وباء الحمى الإسبانية، وقضت على الملايين من البشر حول العالم، وذكر كتاب «نجد في الزمن القريب» وكتاب «أطباء من أجل المملكة» كيف استطاع أهل الخليج آنذاك التصدي لهذا الوباء، بعزل المرضى، والتداوي ببعض الطرق الشعبية التي كان لها مفعول للتشافي. كانت المصادر في قمة الأهمية حيث إنها بينت الدور الهام الذي قام به الملك عبدالعزيز المؤسس، وحرصه على أن ينعم أهل الجزيرة العربية بالرعاية الصحية، وكيف تعاون الأهالي فيما بينهم لمكافحة هذا الوباء الذي حل متزامناً مع حرب عالمية، بالإضافة إلى معرفة الموروث الشعبي في مكافحة الأوبئة والاستطباب.

مراجع تاريخية في غاية الأهمية، يجب الرجوع إليها في مثل هذه الأوقات لأخذ العبرة والحكمة منها.

دخلت على والدتي أطال الله في عمرها لأراها تربط «مره» في طرف شالها، فسألتها عن السبب فقالت «أحسن من مليون كمام طبي» علمنا أجدادنا أن نربط «المره» في الغترة أو الشال ونحطها على خشمنا بدلاً من الكمام»، وظلت أمي تروي لي التدابير الاحترازية البسيطة التي كانوا يقومون بها قديماً من أجل الحد من انتشار الأوبئة كعضبة وهو التطعيم الوقائي بطريقة بدائية، والقرو وهو نوع من الطعام المحضر من جميع الأطعمة المتوفرة في المجتمع آنذاك، بالإضافة إلى عدد من الأعشاب الطبيعية، بالإضافة إلى اللبان لتعقيم المكان. وأنهت كلامها، «كان زماننا مختلفاً، فعلى الرغم من بساطة الإجراءات، إلا أن الكل كان يداً واحدة لمكافحة الوباء، كنا نجاهد مع بعضنا بإمكانياتنا المتواضعة من أجل التصدي للوباء، فالتاجر يفتح «عمارته»- أي محله التجاري أمام الجميع لأخذ ما يلزمهم من طعام بالمجان، ويساهم الأشخاص بعضهم بعضاً في تقديم الدعم في الاهتمام بالمرضى وإسعافهم وتطبيبهم، وتقوم النسوة بطبخ الطعام من أجل هؤلاء المرضى، كانت القلوب متحدة لمواجهة الوباء، وكان التكافل هو أساس المجتمع، ناهيك عن انعدام وسائل الإعلام بالشكل الحالي، فلا شائعات، ولا تأويل وتخويف.. كان الإيمان بالله والتوكل عليه أساس النجاة والتغلب على الوباء.. كان الاستغفار يعم المكان، وكنا نرتجي الرحمة من الله العلي القدير..

* رأيي المتواضع:

الأزمات تمضي مسرعة، تكلفنا الكثير وتعلمنا الكثير في ذات الوقت، ولكن ذاكرتنا البشرية تظل قصيرة في التذكر، فهل هناك سجل لتوثيق ما تعلمناه من الأزمات التي نمر بها كل في مجال تخصصه، عن نفسي شرعت في كتابة بحث بسيط حول التعامل الإعلامي مع أزمة كورونا، وأتمنى أن تكتب أبحاث في التعامل الاستراتيجي مع هذه الأزمة؟ والتعامل الطبي؟؟ وأن توثق جميع المراحل في مراجع سهل الوصول إليها في زمن البيانات الضخمة..

ما زلت أرى في وظيفة التوثيق شيئاً رئيساً، فهو الشاهد على العصر، وهو الذي يحفظ حق الأجيال المتعاقبة في المعرفة المتراكمة.. وهو الضمان على عدم تزييف الوقائع من أجل تغيير الحقائق.. فمن حق الأجيال المتعاقبة أن تعرف الجهود الحكومية التي بذلت في سبيل احتواء الأزمة، والإجراءات التي أتبعتها، والدروس المستفادة في التعامل مع هذه الأزمة من جميع النواحي.