تكاد تجمع مراكز البحوث العلمية في الدول العربية على أن هناك تحديات تواجه التعليم للقيام بدوره الرئيس نحو التنمية المستدامة ورغم أن الدول العربية وإن كانت قد حققت بعضاً من التطور إلى حد ما إلا أنها لا تزال بحاجة إلى خطوات أسرع للالتحاق بالتطور الحضاري السريع الذي حققته بعض الدول في هذا المجال الحيوي خاصة وأن هناك شبه اتفاق بين الأكاديميين العرب وبعض مراكز البحوث العلمية في عصرنا الحاضر على وجود ضرورات قصوى لعملية ربط التعليم بالتنمية المستدامة في المنطقة العربية خاصة بعد أن جاء في مؤشر التعليم العالي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2016 - 2017 تدني ترتيب أغلب الدول العربية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، فالمرتبة الأولى في العالم حصدتها سنغافورة، التي حصلت على 6.29 نقطة من 7 ثم فنلندا وتليها هولندا في المرتبة الثالثة فيما صنفت ألمانيا في المرتبة الـ 20، وجاءت فرنسا في المرتبة الـ 21، واليابان في المرتبة الـ 23، فيما حلت اسبانيا في المرتبة الـ 31.
التعليم وإن كان مردوده على المدى البعيد إلا أن تحقيق أهدافه لا تزال بحاجة إلى تسريع، وذلك لأنه من أهم ركائز أهداف التنمية المستدامة خاصة أن العالم دخل مرحلة تاريخية مهمة في الألفيه الثالثة من تطوره، وهي مرحلة الثورة الصناعية الرابعة حيث التقنية العالية والتكنواوجيا ووسائل التواصل إلكترونيه والذكاء الاصطناعي والإبداع الذي هو تتويجٌ للبحث العِلميّ والتطوير التكنولوجيّ وهو من الذي ينتج لنا حلولاً جديدة للمُشكلات الرّاهنة أو المستقبلية التي تحتاجها ومن شأنها الدَّفع بالتنمية إلى الأمام والإبداع الحقيقي لذلك أصبح ّالبحث العلمي شرط ضروري ولا يجب أن يقتصر على برامج العلوم الطبيعيّة فحسب، إنما يجب أن تشمل برامج العلوم الإنسانية والإجتماعية والسبب في ذلك أن المشكلات إلاجتماعية والانسانية لها خصوصيتها، وبذلك لا يمكن إيجاد حلول لها دون أن ندرك أن أسبابها نابعة من المُجتمع وقضاياه فيستجيب لمتطلّباته ويُعالِج مشكلاته ونحن بحاجة إلى تفعيل مثل هذه البرامج في مؤسسات التعليم العالي.
إن المطلوب في الوقت الحاضر لجعل التعليم يساير التنمية المستدامة لعام 2030 يجب أن يكون هدفه الأساس بناء اقتصاد المعرفة ومن ناحية مناهج التعليم بحاجة إلى إدخال مهارات التفكير العليا فيها منها تنمية التفكير النقدي والتفكير الإبداعي عند المتعلم وذلك لن يتحقق إلا بربط التعليم بأهداف المجتمع العليا وعلى ضوء ما تقدم فعملية التعليم والتعلم لهما ارتباط وثيق بالتمنية المستدامة وهي استثمار بالبشر وللبشر لذلك يجب أن نعي بأن تطوير التعليم تتطلب مشاركة مجتمعية يتم فيها الاستعانة بالكفاءات الوطنية التي تمتلك الخبرة في هذا المجال وذلك ليس فيه تقليل من الخبرات الموجودة إنما عدم جعل تطوير التعليم يقتصر على نخبة معينة.
كذلك يتساءل الكثيرون عن دور مؤسسات التعليم العالي في مجال البحث العلمي الذي يعد أحد أهم وظائف الجامعات الأساسية فبدونه تصبح الجامعة مجرد مدرسة تعليمية لعلوم ومعارف ينتجها الآخرون وليس مركزاً للإبداع العلمي وإنماء المعرفة وإثرائها ونشرها والسعي لتوظيفها لحل المشكلات المختلفة التي يواجهها المجتمع وتعد البحوث الجامعية التي تنجزها الجامعات أحد أهم مؤشرات الجودة والتمييز في سلم تصنيف الجامعات محلياً وإقليمياً ودولياً وباتت تشكل هذه البحوث مصدراً مالياً مهماً لتمويل أنشطة الجامعات من خلال المنح والهبات التي تحصل عليها من المؤسسات المختلفة لذا لا بدّ من تحويل البحث العِلميّ والتطوير التكنولوجيّ إلى أدوات فعّالة في بناء الأمن والسلام، والعدالة، والمُشارَك. فالابتكار مطلوبٌ بشدّة لكي نحوِّل مَسار تطوّر التكنولوجيا في توظيفها لتوليد حلول للمشكلات والفجوات والتفاوتات المُتزايدة بين الشعوب والبلدان وإلى وسيلة لتعميم فوائد التنمية واحترام حقوق الإنسان وتجاوُز المعوّقات الجغرافيّة والاجتماعيّة والثقافيّة المُنتِجة للتفاوُت والتهميش.
إن «التقرير العربيّ العاشر للتنمية الثقافيّة» الصادر عن «مركز الفكر العربي» لعام 2016 - 2017 يؤكد على أنه انطلاقاً من هذه الحقائق أصبحت هناك حاجة إلى التصدي للتحدّي الكَونيّ الرّاهن وهو تحدٍّ ثلاثيّ الأضلاع، يتألّف من الفقر، والحروب، والتدهور البيئيّ، بحيث يصل نحو تحقيق ما نرمي إليه باتّخاذ سياساتٍ سليمة، والعمل بوسائل متعدّدة، في طليعتها المَعرفة والإبداع.
خلاصة كل ذلك أنه ما دامت عملية التنمية مستدامة ومستمرة فإن ذلك يفرض أن تكون عملية تطوير التعليم مستمرة تواكب عملية التنمية المستدامة وخاصة أننا في عصر تحدث فيه تحولات كبرى ينبغي مواجهتها وكما نحقق إنجازات في هذا المجال يجب كذلك تحقيق تغيرات في كثير من الأفكار والأخذ بالجديد منها لتوظيف مخرجات عملية التعلم والتعليم فيما تتطلبه التنمية المستدامة.