من السياسات المعتمدة لدى الحرس الثوري الإيراني اعتبار كل معارض للنظام في الخارج هدفاً والعمل على مضايقته ولا بأس لو وصل الأمر إلى اغتياله، وبالتأكيد يدخل في ذلك تخريب كل مؤتمر للمعارضة يعقد هناك وهو ما حصل مرات. ومن سياساته أيضاً السماح للصحافيين الأجانب بدخول إيران وجعلهم تحت المراقبة على مدار الساعة بل حتى حجز جوازات سفرهم ومنعهم من السفر مع السماح لهم بالتنقل في العاصمة بـ «حرية تامة». من ذلك على سبيل المثال ما كشف عنه أخيراً صحافي بريطاني بمجلة «الإيكونومست» اسمه نيوكولاس بيلهام حيث قال إنه تم احتجازه في إيران لمدة سبعة أسابيع من دون توجيه أي تهمة له ولا توقيفه وكتب أنه توجه في يوليو الماضي إلى إيران في مهمة لأسبوع بجواز سفر صحافي لكنه أرغم على البقاء هناك قسراً طوال تلك المدة مع ترك حرية التنقل له في طهران، وأضاف أنه كان يشعر بحضور مئات العيون وإن الذين كانوا يحيونه مخبرين وأنه شعر بنفسه أسيراً.

تلك الحادثة وغيرها حصلت بأمر من الحرس الثوري لكن لا الصحافي ولا حتى المسؤولون خارج هذا الجهاز يعرفون أسباب حصوله، فالأوامر التي تصدر عن الحرس الثوري ممنوع مناقشتها وممنوع السؤال عن أسبابها، وممنوع عدم تنفيذها.

هذه السياسات لا يستطيع أي مسؤول إيراني إنكارها، فهم يعرفون أنها مطبقة ويدركون جيداً أنهم ليسوا استثناء، فهم أيضاً يتحركون وسط غابة من العيون والآذان تراقبهم وتسجل كل ما يقولون ويفعلون كي يكون المرشد الأعلى على بينة بتحركاتهم ومقولاتهم فيأمر بالتجديد لهم أو إرسالهم إلى حيث لا يسمع عنهم أحد.

أما رصد تحركات منظمة «مجاهدي خلق» في الخارج ومراسلاتها مع الداخل وتحركها في المدن والقرى في إيران فمسألة لها الأولوية، وكذلك العمل ضد المنتمين إليها، فهم «أهداف مشروعة» ورصدهم بل وحتى قتلهم حلال ويتوفر من أجل ذلك ما يلزم من فتاوى قابلة للتطوير في كل حين.

الحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها هي أن الحرس الثوري هو الجهاز الوحيد الذي يبقى خارج المحاسبة، فهو يد المرشد الأعلى وأداته التي يحكم بها كل من هم دونه، وطلباته أوامر. لهذا لا يمكن لأي مسؤول إيراني مهما عظم شأنه وقويت شوكته أن يناطح هذا الجهاز أو حتى ينتقده، فهذا الجهاز لا يقبل النقد ولا يرحم من يغويه الشيطان فيقرر مناطحته.

قوة هذا الجهاز ومنعته تبينت أكثر مع اغتيال سليماني، فاغتياله كان استفزازاً للحرس الثوري ولخامنئي شخصياً، ولهذا حرصا – خامنئي وأداته – على أن يكون الرد سريعاً، ففي ذلك رفع للحرج عن هذا الجهاز وتأكيد على قوته وتمكنه، ولهذا هدأ الجمهور واعتبر ذلك انتقاماً مجزياً خصوصاً وأن الحرس الثوري حرص على الترويج لفكرة أنه الرد الممهد للرد.

إبقاء هيبة الحرس الثوري كان بالنسبة لخامنئي هو التحدي الأكبر، والحقيقة أنه تمكن من ذلك، فهذا الجهاز لم تقل هيبته بتلك الحادثة بل على العكس زادت، ولهذا فإن المتوقع هو أن يبطر أكثر ويزيد من جرعة استهدافه المعارضة الإيرانية وكل المتعاطفين معها وخصوصاً الصحافيين الأجانب الذين يزورون طهران، فلدى الحرس الثوري ما يكفي من العيون والآذان لرصد تحرك كل صحافي خصوصاً إن منع من السفر وسمح له بالتنقل في طهران ومدن إيرانية أخرى. أما المعارضة الإيرانية في الخارج فنصيبها محفوظ والأكيد أن الحرس الثوري سيزيد من جرعة ترصده لعناصرها وتحركهم ومن جرعة استهداف المؤتمرات التي يعقدونها في باريس وغيرها من المدن الأوروبية. ولهذا صار لزاماً على العالم أن يتحرك ويمنع حرس خامنئي من كل ذلك.