تأخذنا الحياة عن أنفسنا أحياناً بكثرة ما تعترينا من ضغوط وتتقاذفنا فيه من انشغالات، ونجد أنفسنا في دوامات لا متناهية من المسؤوليات الآخذة في التصاعد والتكاثر على الدوام، بل وتجرفنا الضغوط إلى متاهات الضغط العصبي والشعور الدائم بضيق الوقت الأمر الذي يجعلنا نضع خططاً باستمرار للسيطرة على أنفسنا في إدارة الوقت. عندما تكون منهمكاً في هذا الكم الهائل من العمل، مولعاً بأدق التفاصيل، حريصاً على أن تؤدي كل مهمة مهما تصاغرت بنفسك كنوع من الحرص الذي هو في حقيقة الأمر عدم ثقة بقدرات الآخرين في أنهم سيؤدون المهمة مثلما تفعل تماماً أو لنقل مثلما تريد، تجد أنك تستنزف طاقتك على الدوام، وتتراجع صحتك على نحو فجائي لتقف متسائلاً مشدوهاً أحياناً ما السبب يا ترى، وتكتشف بعد أن يوقع بك المرض أو الإجهاد أن العمل لم يتعطل والمسؤوليات الملقاة على عاتقك قد وجد من حولك بدائل عنك فجأة ليقوموا بتنفيذها، بينما كنت تظن بطريقة أو بأخرى أنك مركز الكون، أو أن كثيراً من الأمور معلقة على وجودك واهتمامك وما تقدمه فيها من مهام أو خدمات، غير أنك وفي وقت متأخر تجد نفسك واهماً.

في أوقات ما، تجرفنا بعض الألقاب أو الأدوار التي نلعبها في الحياة، إلى تقمص شخصيات لا تمت إلينا بصلة، نصطنع لأنفسنا وجوهاً جامدة وجادة أكثر من اللازم من باب الحفاظ على المكانة الاجتماعية أو «البريستيج»، نجبر أنفسنا على ارتداء ملابس معينة قد تتخذ طابعاً رسمياً جامداً من باب «لا يليق» أن يكون شكلي دون ذلك، تصاحب جماعات معينة وتتجنب الاختلاط بآخرين أحياناً لتقول للعالم أنني أنتمي إلى هذا العالم، العالم الذي أغرق نفسه كما فعلت في دوامات التفكير والمسؤوليات والانشغالات، ونسي أو تناسى نفسه ذات حين من أجل الحفاظ على وجاهته الاجتماعية أو حصاد مزيد من الألقاب والعلاقات ضمن دائرة الانتماء المنشودة. ولكن ما يحدث بعد فترة أنك تقف أمام المرآة متسائلاً عن الشخص الذي تراه أمامك، وتجد أنك في حقيقة الأمر لا تعرفه، وأن هذا آخر شخص من الممكن أن يكون أنت، وأنك أبسط وأنقى وأرقى وأفضل بكثير ممن تراه قبالتك.

* اختلاج النبض:

أحياناً يمضي بنا العمر، ونحن في دوامات الحياة ورحلة البحث عن الأقنعة الأجمل، متناسين عمق الجمال في أرواحنا، نبحث عن السعادة في كل مكان وننسى أن نبحث عنها فينا، نطمح للرفاه المادي أحياناً والترف الاجتماعي من خلال الوجاهة والفرص، وننسى أن السعادة الحقيقية هي تلك اللحظات الماتعة التي نعيشها بكل بساطة وعفوية وصدق مع من يشاركنا نفس الاهتمامات ويلامس مواطن الشغف فينا. عندما يصيح فيك الضمير منادياً ذات يوم، توقف عما أنت فاعله والتفت قليلاً لمتعتك، إياك أن تهمل هذا الصوت فهو نابع من حقيقة روحك المغمورة والتي تستحق أن تظهر لتبرزك على حقيقتك الجميلة التي لوثتها بانصياعك لمتاهات الحياة ودواماتها.