خلال زيارتي الأخيرة لسلطنة عمان، دار حديث بيني وبين أحد الأشقاء هناك في وزارة الإعلام، حول علاقة البحرين وعمان وارتباط الشعبين ببعضهما البعض.

كنت أقول له بأننا حينما كنا أطفالاً صغاراً في بدايات دراستنا الابتدائية، فتحت عيوننا على صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان أميرنا الراحل العظيم، وكيف أحببنا هذا الرجل بصدق وعفوية باعتباره رمزنا الأول، وكيف أننا تعلمنا بأن بلادنا البحرين هي ضمن منظومة تضم مجموعة دول تترابط معها بروابط قوية ممثلة بالدين واللغة والعادات والتقاليد والإطلالة على الخليج العربي.

عرفنا يومها بأن بلادنا من ضمن منظومة تضم ست دول شقيقة، وتعلمنا كيف أن هذه الدول مرتبطة ببعض، وأنها تمثل لنا كياناً واحداً مع البحرين. تعرفنا على أعلامها وعلى صور حكامها، وما كان يميز صور الحكام الأوائل المؤسسين لكيان مجلس التعاون، صورة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم سلطان عمان، إذ كانت عمامته السلطانية محط أنظارنا لاختلافها عن الغترة والشماغ لباقي حكام الخليج، وطبعاً تميز أميرنا الراحل بلبس «الشطفة» التي كانت تزيد فخامته فخامة.

السلطان قابوس كان مهيباً في طلته وجلسته وكلامه، وأتذكر جدي وهو يحدثنا عن البحرين قبل الاستقلال، وكيف أن الأيام الخوالي شهدت سكن العديد من الأشقاء العمانيين في البحرين، وكيف أنهم ساهموا مع البحرينيين في بناء البحرين وتعميرها، وتركوا بصماتهم الواضحة في النهضة الزراعية وغيرها.

وفي زيارتي الأخيرة، حكى لي شقيق «بحريني عماني»، ولد في البحرين وعاش فيها لـ28 عاماً، وبعدها عاد لعمان كون والده عمانياً، وهو أيضاً كبر وترعرع في البحرين، حكى لي حكاية والده حينما كان فتى صغيراً، كيف ركب على متن «بانوش» واتجه من مسقط إلى البحرين ليبيع نجيلات نخل وأشجار مثمرة أخرى، وكيف أنه على «فرضة المنامة» صادف وجوده مرور صاحب السمو الشيخ محمد بن سلمان رحمه الله، عم ملكنا الغالي، حيث اشترى منه سموه كل الموجود، وبعد فترة أرسل ليبحثوا عنه، ليجدوا أنه يحاول جمع المال ليعود إلى مسقط على متن بانوش يجب أن يدفع له، فطلب منه الشيخ محمد البقاء في البحرين، والإشراف على المزارع، وهكذا فعل، حتى كبر وشب وصار رجلاً وتزوج وأنجب، ومسك مسؤوليات عديدة عند الشيخ محمد رحمه الله.

هذه قصة من عشرات القصص التي تحكي عن تلك العلاقة الحميمية التي تربط البحرين بعمان، وشخصياً كنت محظوظاً في العام الماضي عبر زيارة سلطنة عمان لأكثر من ثماني زيارات، فيها وجدت كل الحفاوة والكرم وحسن الاستقبال والضيافة، ولمست الأخلاق العالية لدى الشعب العماني، وكنت أدخل معهم في مماحكات كلامية، حينما يعبرون عن حبهم للبحرين وشعبها، وأننا أكثر الشعوب طيبة، إذ ردي كان بأنني أجد في الإنسان العماني أجمل مثال للطيبة بين شعوب الخليج.

الشاهد فيما أريد قوله هنا، بأن الغصة والألم كبيران، السلطان قابوس له مكان أثير في قلوب البحرينيين، لربما نحن أكثر، كجيل فتح عينه على الدنيا ليراه سلطاناً لدولة شقيقة عزيزة على البحرين، ليلمس حبه للشيخ عيسى رحمه الله، ثم للملك حمد، ملكنا الذي نعرف كلنا حبه الكبير لعمان وسلطانها وشعبها.

رحل سلطان عظيم، وفي رحيله حزن كبير في قلوب الجميع، ليس العمانيين وحدهم، بل كل شعوب الخليج، وبالأخص شعب البحرين. رجل بنى نهضة بلاده، رجل عز شعبه فأحبوه وعشقوه، رجل حكيم في حياته، وحكيم حتى بعد رحيله، مثلما بان في قراءة وصيته التي كتبها وقلبه على بلاده وشعبه.

أهلنا في عمان الحبيبة، لا كلمات توفي حق هذا السلطان العظيم، ولا حروف تعبر عن عمق حزننا وألمنا لرحيل هذا الفارس.

السلطان قابوس أنت باقٍ في القلوب، خالد بذكراك العطرة، روحك ستظل ترفرف في أرجاء عمان، مع كل تطوير ونهضة أنت وضعت أساسهما، وراهنت على شعبك الطيب في السير على نهجك.

رحل آخر القادة المؤسسين لكيان مجلس التعاون، فاللهم ارحم السلطان العظيم، اللهم أسكنه الجنة واحفظ بلاده وشعبه، واحفظ بلداننا وشعوبنا أجمعين.