يقال في الأثر «لكل متعة ثمن»، وبعض المتع ندفع ثمنها باهظاً من حياتنا وسمعتنا وأموالنا وربما ندفع ثمنها في مصائرنا المستقبلية بحياة الآخرة، عندما يمنح كل مرء منا جزاء ما عمل، وينال المحسن ثوابه، والمتمتع بالمحرمات على اختلافها عقابه، وذلك أمر مختلف كلياً عن المتعة التي نتحدث عنها اليوم، فما نقصده في حديثنا هذا المتعة التي قد تتمثل بصحبة جميلة تجمعنا على حديث ظريف يبعث على هدوء النفس أو فيه شيء من الطرافة، المتعة التي قد تتمثل بنزهة في مكان ما لتنشق هواء مختلف ومشاهدة مناظر غير تلك التي نشاهدها في روتيننا اليومي، ما يبعث على النفس الراحة والهدوء، لا سيما إن كانت النزهة في ربوع الطبيعة، ربما تكون المتعة في التسوق أو في مشاهدة فيلم أو في كوب قهوة أو ارتياد مطعم معين، ربما تكون المتعة في رحلة سفر أو مغامرة جديدة. هناك أشكال كثيرة من المتعة، ولكل منا أسلوبه الخاص وذوقه الخاص في إيجاد متعه في الحياة، ولكن ما قد نختلف فيه حقاً ليس الشعور بالمتعة، وإنما طرق التعاطي معها.

بعضنا ينظر للمتعة على أنها شحن طاقي لأرواحنا وأجسادنا، وبعضنا الآخر ينظر لها أنها نوع من تفريغ الضغوط التي تراكمت علينا طوال الفترة الماضية، والبعض يجمع الفكرتين معاً. آخرون يرون في المتعة أسلوب حياة وغاية، ويتحدثون عن أنماط الحياة الممتعة في جميع الممارسات اليومية، أو يبحثون عن المتعة في أدق التفاصيل، وربما أكثرها بساطة. في حديث جمعني مع والدتي حول الضغط العصبي الذي يتسبب به التجهيز لمناسبة ما كمناسبة الزفاف مثلاً، حدثتني أن ما أراه ضغطاً عصبياً وجدولاً مزدحماً تراه أخريات نوعاً من المتعة، متعة الاستعداد للزواج والاحتفاء بكل خطوة، إنها في حديثها هذا ربما كانت تلوح للاستمتاع بالرحلة قبل الوصول للوجهة، وهنا نجد أن هناك فلسفة قائمة بذاتها في زمنية المتعة، فالبعض منا يخصص لها جزءاً من وقته متفرغاً عن كل شيء ليعيش متعته، بينما يعكف آخرون على التمتع بكل شيء على طول الخط.

مما استوقفني في هذا الموضوع مقطع أقتبسه من كتاب السحر ضمن سلسلة السر للمؤلفة روندا بايرن، تقول فيه «كنت أمر بلحظات من السعادة عندما أخرج للتنزه مع أصدقائي أو عندما أقضي إجازة في مكان ما، ولكن حينها كان يغلبني الشعور بأنه عليّ المزيد من العمل من أجل دفع ثمن هذه المتع». لقد استوقفتني تلك العبارة كثيراً، وكيف أن لبعض المتع ثمناً باهظاً، ليس مادياً أو مالياً فقط، بل حتى في حسابات الزمن وأولوياتنا في الحياة، ولذلك، فإننا ما إن نحصل على المتعة، نكاد نشعر بالذنب على ما ضيعناه فيها، متغاضين عن حجم ما قدمته لنا من مردود نفسي عميق، أو ربما نتسبب في وقف تأثير ذلك المردود أحياناً والذي قد يستمر معنا لفترة معقولة من الزمن.

* اختلاج النبض:

لكل من يرى المتعة ذنباً يجب عليه التكفير عنه بعد ارتكابه، لأن الحياة قصيرة، وضغوط الحياة اليومية تتزايد على كل المستويات، فإن أي نافذة للمتعة في حياتنا تستحق أن نشرعها، لا أن نلقي عليها البصر من بعيد بستائر مواربة. لربما من المهم في هذا العصر، أن ننظر للمتعة كحاجة لا ترف، لأنها دافع فاعل نحو مزيد من المواجهة في الحياة والإنتاجية.