جرى اتصالٌ هاتفي بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية والدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، حيث أكد الملك سلمان خلال المكالمة على «أهمية العمل الإسلامي المشترك من خلال منظمة التعاون الإسلامي... لبحث كافة القضايا الإسلامية التي تهم الأمة»، وقد جرت تلك المحادثة قبل يومٍ واحد من انعقاد قمة إسلامية مصغرة بكوالمبور ضمت ماليزيا وإندونيسيا وباكستان وإيران وتركيا وقطر.

وبقدر إعجابي بدهاء الدكتور مهاتير وقدراته الاستثنائية التي مكنته من تحقيق إنجازين تاريخيين سيتم تناولهما لاحقاً، إلا أن عقد تلك القمة يعد خطأً كبيراً، إذ إن انعقاده يعد خطوةً نحو التشرذم والخروج على ميثاق منظمة التعاون الإسلامي. ولو كانت هذه القمة تهدف فعلاً إلى معالجة القضايا التي تهم العالم الإسلامي، لانعقدت بحضور أبرز الدول التي أسست منظمة التعاون الإسلامي وهي الدول المشاركة في قمة كوالمبور -باستثناء قطر- بالإضافة إلى السعودية ومصر والمغرب والسنغال، أو أن يتم عقد القمة بناءً على تفويضٍ من منظمة التعاون الإسلامي.

لقد حقق الدكتور مهاتير إنجازين تاريخيين غيرا شكل ماليزيا سياسياً واقتصادياً أولهما التطور التنموي والاقتصادي خلال الفترة الأولى لرئاسته للحكومة «1981-2003» حتى أصبحت ماليزيا مثالاً للدولة الإسلامية المتقدمة اقتصادياً وتقنياً. أما الإنجاز الثاني فيتمثل في إخراج حزب منظمة الملايو الوطنية المتحدة «أمنو» من السلطة لأول مرة خلافاً لتوقعات الكثيرين من بينهم كاتب هذه السطور، حيث أسس حزباً جديداً مع بعض رفاقه الذين انشقوا عن حزب «أمنو» ثم تحالف مع كلٍ من حزب العدالة الشعبية بقيادة خصمه اللدود الدكتور أنور إبراهيم وحزب «أمانة» الذي يضم سياسيين انشقوا عن حزب «باس» الإسلامي وهو -أي حزب «باس»- حزب ديني متشدد على صلةٍ وثيقة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. ومع ذلك، فإنني أخشى أن يدخل مهاتير بلاده في دوامات من الصراعات والخلافات ذات الطابع الدولي دون مراعاة أهمية الشراكة مع دول محورية عديدة، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبه الرئيس التركي طيب رجب أردوغان.

ومع تزايد التحليلات حول أسباب وأهداف قمة كوالمبور، إلا أنني لا أستبعد وجود سببٍ تاريخي ضمن أسباب انعقاد هذه القمة. فالدكتور مهاتير لم يخفِ -في كتابه طبيب في رئاسة الوزراء- امتعاضه من تنكو عبدالرحمن أول رئيس للحكومة في ماليزيا «1957-1970» وأول أمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي. فقد تسببت الخلافات العميقة بين الاثنين -وكلاهما ينتميان إلى حزب «أمنو» الحاكم- إلى طرد مهاتير من الحزب في عام 1969 قبل أن يعيده تون عبدالرزاق -ثاني رئيس للحكومة في ماليزيا ووالد رئيس الوزراء الأسبق نجيب عبدالرزاق- إلى الحزب في عام 1972. كما أن الاثنين من ولاية قدح المجاورة للحدود مع تايلند، حيث إن تنكو عبدالرحمن ينتمي إلى الأسرة الحاكمة في تلك الولاية. وقد سبق تنكو عبدالرحمن مهاتير في نيل جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في عام 1983، بينما نال الدكتور مهاتير نفس الجائزة في عام 1997.

وبناءً على ما تقدم، فإن ارتباط اسم تنكو عبدالرحمن بمنظمة التعاون الإسلامي قد يكون سبباً من أسباب تنظيم قمة كوالمبور. وحتى لو افترضنا أن هذا الكلام غير صحيح، فإن انعقاد هذه القمة في كوالمبور يعد خطأً فادحاً لأن ماليزيا دولة لها ثقل وصيت وحضور ملفت في المحافل الدولية. صحيحٌ أن كل دولة حرة في رسم سياستها الخارجية، لكن الحكمة تقتضي مراعاة دولٍ أخرى تربطها مصائر ومصالح مشتركة بتلك الدولة.