أخبره أحدهم: هو يستلم أكثر من راتب، يستلم ما يزيد عن الـ2000 دينار جراء عمله الأساسي، وما يقدر بـ1500 دينار جراء عمله الآخر إلى جانب مداخيل من هنا وهناك!

تناول الآلة الحاسبة وأخذ يحسب المجموع النهائي وقال «أأأأه، هذي شيسوي بالفلوس؟» كان زميلهم يسمعهم مندهشاً من نظرتهم وكلامهم، بل وتصرف من قام بأخذ الآلة الحاسبة ليحسب كم المبلغ الذي يحصل عليها شهرياً!! هم لا يدركون وهم يتابعون تفاصيل حياة الآخرين بهذه الطريقة الساذجة والسطحية، والتي تحمل شيئاً من مد النظر إلى ما في يد الآخرين وجيوبهم أن هذا الرجل ابتلاه الله بتسديد ديون تنتهي إلى ما بعد 30 سنة قادمة دون أن يضمن عمره وقد وصل إلى نهاية الستين عاماً، أو يكون قادراً على توفير مبلغ يؤمن له حياة كريمة بعدها ولو قدر الله أن يكونوا بموقفه لشعروا بالإحباط والضيق والاختناق أمام تبدد ثلاث أرباع الراتب على قروض طويلة الأمد، وسنين طويلة وهم في دائرة الضيق! هم لا يدركون أيضاً أن الله قد فتح له باب الرزق هذا، ويسر له أكثر من مدخول تلطفاً بحاله ولكي يستطيع أن يستر نفسه وعائلته عن مد يد العون للآخرين، فهم لم ينظروا إلى ما بداخل حياته من التزامات بل رأوا الظاهر منها أمام الآخرين ممن يعرفونه عن طريق المهن العديدة التي يعمل بها..

قالوا لابنته معاتبين: والدك كل شهر يسافر، لا يجلس بالوطن أكثر من شهر، وكل مرة نفس الدول أما البلد الأوروبي المعروف أنه غالٍ جداً من ناحية مستوى المعيشة أو ذلك البلد المعروف أنه لا يتجه إليه إلا من يمتلكون الأموال للسياحة، نحن شقيقاته لم نعد نراه وأصبح لا يتواصل معنا، بدا لها أنهم يحسدون والدها ويلمحون إلى أنه بات مترفاً، وكل يومين له سفرة وبرنامج فأخبرتهم متألمة: أنتم لا تعلمون عن ألم والدي شيئاً، والدي مصاب بمرض عضال ويسافر شهرياً للعلاج والبحث عن علاج أخف وجعاً من العلاج الكيماوي الذي يتعبه ويهلكه ويتردد على دول مختلفة لمعالجة الأمراض الأخرى التي جاءت نتيجة ما أصيب به، لقد أوصاني أن لا أخبركم وأن لا يعلم أحد عن مرضه شيئاً حتى لا تتضايقون وتتألمون لحاله، فأرفقوا أرجوكم وتلطفوا عند الكلام عنه!

تقول لمجموعة النساء: هذه تعرف حزن ولا ضيق ولا ألم؟ انظروا إليها ما تقعد بالبيت دقيقة ومن مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد، والله أنها لا تجلس في منزلها أكثر من نصف يوم وخلال أيام العطل إن لم تسافر «سفرة بو يومين سريعة»، تحصلونها حجزت «شاليه ولا منتجع»، وراحت قعدت! طول اليوم مكياج ولبس «ومو مقصرة على روحها»، ودائماً تضحك وبشوشه فعلقت إحداهن: هل تعلمين أنها مصابة باكتئاب حاد جداً، كان أن يفقدها حياتها؟ هل تعلمين أن الطبيب أمرها بذلك بكثرة الخروج من المنزل وتغيير الأماكن يومياً كعلاج بديل للعلاج الطبي والدوائي؟ هل تعتقدين لو كنتي مكانها يوماً ستستطيعين أن تعيشي بنفس نمط حياتها بعد أن خسرت العديد من الأمور في حياتها، وتمر بمشاكل كبيرة وظروف صعب على المرأة أن تعيشها وتواجهها لا يعلم عنها إلا الله؟ للأسف الناس تهمها المظاهر وما يرونه ولا يدركون ما يخبأه المرء بقلبه ويعانيه ويخفيه وراء ضحكاته الظاهرة!

«هذي شيسوي بالفلوس؟ عمره يقترب من الخمسين سنة ولم يتزوج ولديه راتب كبير جداً، وتجارة ورغم ذلك انظروا لسيارته القديمة جداً التي لم يبدلها فوق الـ15 سنة، وانظروا إلى حال ثيابه ومظهره، في ماذا يصرف ماله وهو حتى دينار ما يخرج من جيبه .. كم هو بخيل!! «فقال أحدهم له: هل تعلم إنني معجب به كثيراً! بل أتمنى أن أكون يوماً مثله!! هل تعلم أنه ضحى بحياته كلها هذه لأجل أبناء عمه الأيتام!! هل تعلم أن لديه عم متوفي ترك ما يقارب الستة أبناء دون معيل وجميع الأقارب تخلوا عنهم فبادر بالتكفل بإعالتهم جميعاً، بل وقام بإدخالهم أحسن الجامعات والمدارس حتى لا يشعروا بالفرق لذا هو لا يصرف، ولذا هو يسخر راتبه الذي لا تدري أين يصرفه، وتعتقد أنه بخيل لأجل الصرف على هؤلاء الأيتام فهو يعتبر نفسه ولي أمرهم جميعاً، وهذا شيء نادر جداً في هذا الوقت الذي الأخ لا يقف مع أخيه!

«كله ما عندهم فلوس ويتشكون وهي مع زوجها كل شهر مسافرة بلد، وأول ما خلصت النفاس يوم حملت «بابنها الوحيد» حتى ما «جابلت ولدها اللي تمت تحلم أنها تولد فيه وتصير أم»، تركته وراحت تتفسح مع زوجها وأخرتها كله تشتكي من المصاريف!» فأخبرتها أحدهم «تدرين لو كنتي يوماً بموقفها لما استطعتي أن تستحملي ولا دقيقة! «هذه الفتاة مصابة باكتئاب ما بعد الولادة وبعدها حاولت الحمل عدة مرات ولم تفلح كما أنها أجهضت عدة مرات، وهي تسافر معه لأجل العلاج بعد أن أخبروها الأطباء أنه لا أمل من أن تضع مولوداً غيره أمام ضغوطات عائلية لزوجها بأن يتزوج بأخرى، وبعد أن أخذ الناس يصفونها بالمرأة العقيم، وقد تراكمت عليهم الديون هي وزوجها!!».

نسمع طيلة يومنا تعليقات جارحة ومتطفلة من هذه الشاكلة بل هناك تنمر عجيب من الناس تجاه بعضهم البعض وندرك خلالها مستوى إدراك العقليات من حولنا وزاوية نظرتهم للآخرين، كم شخص يتحدث الناس عنه بسلبية في تجمعات مستندين على جانب معين ينظرون إليه من خلاله دون أن تكون الصورة مكتملة لديهم ودون أن يدركوا الخفايا وما تعانيه القلوب والأنفس ووقع كلماتهم على الآخر الذي لو مروا بنفس ما يمر به وقدره الله عليه من قضاء لما استحملوا فجزء من الصورة يكون مفقوداً بمثابة مسج هواتف راحوا الطيبين «نوكيا» عندما يصل مسج غير مكتمل وبقربه عبارة جزء من النص مفقود!