استشهاد أكثر من 200 محتج في التظاهرات التي شهدتها المدن والقرى الإيرانية في أيام قليلة تفسيره أنه لا قيمة للمواطن الإيراني لدى النظام المستولي على الحكم في إيران منذ 40 سنة ويستمتع بثروة شعبها، وتفسيره أن أوامر مباشرة وواضحة صدرت من خامنئي مفادها أنه من أجل بقاء النظام واستمراره ليس مهماً عدد الذين يستشهدون في الاحتجاجات فاقتلوا ما شئتم منهم ولا تأخذكم بهم شفقة ولا رحمة، وتفسيره أيضاً أن النظام عجز عن إقناع الشعب بدواعي مضاعفة سعر البنزين والعبث في جيوب الفقراء وأنه لم يتمكن من تمرير الادعاء بأن الغاية هي الارتقاء بحياة المحتاجين منهم.

في السياق نفسه جاءت خطوة إخراج من لا حول له ولا قوة إلى الشارع كي يهتفوا لخامنئي وروحاني والحكومة بعد أن أوهموهم بأن ما يجري هو من فعل مخربين لا يريدون الخير لإيران وأن العملية كلها تدار من قبل أمريكا وإسرائيل ومدعومة من دول عربية تريد إسقاط النظام في إيران و«تحارب الدين». ليس بعيداً أن يكونوا قد أوهموا من خرج ليهتف للنظام بأن من لم يخرج مصيره إلى النار وأن من يقبل بما يريده النظام ويشارك في مناصرته يحصل على تذكرة لدخول الجنة!

لأن النظام الإيراني وجد نفسه في زاوية ضيقة وقدر أن إفلاته من الذي أوقع نفسه فيه صعب لذا صدرت الأوامر للمعنيين في الأجهزة الأمنية باعتقال كل من يهتف ضد النظام وكل من يشك في أنه قد يقدم على مثل هذا الفعل، فقراءة النوايا في مثل هذه الأحوال أمر مباح، حيث المهم والأهم والأكثر أهمية هو إنقاذ النظام من الرقاد الأخير. ولهذا صدرت الأوامر أيضاً بقتل من يصر على رفع صوته ويعتبر فعله مسيئاً للنظام ورموزه، وقتل الإنترنت.

النظام الإيراني بغية إنقاذ نفسه قرر استباحة أجساد المحتجين فضرب بالعصي الكهربية واعتقل وجرح وقتل ودفع صحيفة «كيهان» إلى المطالبة بإعدام المتظاهرين وأعطى الأمم المتحدة «الأذن الصمخة» ولعله اعتبر تصريحات مسؤوليها وتعبيرهم عن قلق المنظمة الدولية ودعوتهم إلى إعادة خدمات الإنترنت تدخلاً في الشؤون الداخلية. أما دعوة أمريكا إلى احترام حق المتظاهرين في التعبير بحرية عن رفضهم لقرار مضاعفة سعر البنزين والمطالبة بالعيش الكريم فاعتبره النظام دليلاً على أن العملية تدار من أمريكا وإسرائيل.

النظام الإيراني لم يلتفت حتى إلى أن قطع الإنترنت من شأنه أن يؤثر سلباً على الاقتصاد الإيراني، فالمهم عنده والأهم هو البقاء في السلطة، لهذا سخر من المسؤولين والنواب الذين قالوا أو ألمحوا إلى أن قطع شبكة الإنترنت «وجه ضربة قاصمة لاقتصاد البلاد»، ولعله يكرمهم بعدم معاقبتهم على تجرؤهم قول ذلك.

الحال التي صار فيها النظام الإيراني بسبب غضبة الشعب من سوء إدارته للبلاد واستغلاله البشع لثروته لا يستبعد معها اتخاذه قراراً بإنزال قوات الباسيج لقمع الاحتجاجات، بل لا يستبعد حتى قيامه بوضع «جيب شرطة» أمام كل بيت يشك في أن به من يمكنه التعبير عن رفضه للقرار الأخير والاحتجاج.

رموز النظام الإيراني سيفعلون المستحيل كي يبقوا في السلطة، لهذا فإنهم لن يلتفتوا إلى أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين، ولن يلتفتوا إلى التأثير السالب لقطعهم شبكة الإنترنت عن البلاد، ولن يلتفتوا إلا إلى ما يعينهم على البقاء في السلطة، فغير هذا في نظرهم يهون، بل لا قيمة له.

ارتفاع أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين في عهد هذا النظام الإيراني وارد في كل حين، ووارد في كل حين أيضاً سماع خبر عن إعدام مواطنين كل ذنبهم أنهم عمدوا إلى التعبير عن آرائهم ومواقفهم واعتقدوا أن «الدستور» يكفل لهم ذلك.