سألتها ذات مرة وقد تكررت شكواها من الصداع النصفي: هل لديك صداع نصفي مزمن؟ أجابت نعم. سألتها: وكيف تحتملين الصداع طوال الوقت؟ قالت: تعودت. منذ صرت مراهقة وأنا أعاني من الصداع النصفي. لا أستطيع تذكر الزمن الذي عشت فيه دون ألم في الرأس. لازمني الصداع في كل مراحل عمري. ورافقني في جميع المناسبات الخاصة: تقديمي لامتحانات الثانوية والجامعة، زواجي، إنجابي لأولادي، مجالس عزاء أهلي. كل تلك المناسبات كان رفيقي فيها الصداع.
لجأت إليه بعد أن يئست من أطباء بلدها. انتظرت منه أن يقدم لها علاجاً، أو يدلها على طبيب آخر في بلد ما يخلصها من الطنين المزمن في أذنيها. تفحص الطبيب الأشعة وتقاريرها الطبية التي أجريت في معمله. وقال لها: لا فائدة، لا علاج لطنين الأذن، إنها حالة مزمنة تتوقف من ذات نفسها، وأحياناً تلازم الإنسان مدى الحياة. ولا أحد يعرف على نحو علمي لم ومتى يتوقف الطنين من ذات نفسه. انهارت باكية أمامه حتى شعر بالتوتر والقلق. قالت له: أنا يائسة لا أستطيع النوم ولا العمل ولا عمل أي شيء. لا أستطيع العيش مع طنين يلازمني ليل نهار، تعبت، أريد حلاً، أرجوك دكتور. قال لها بارتباك صدقيني ليس لدي حل ولا أعرف علاجاً لهذا المرض. عليك أن تتعايشي مع طنين الأذن، أو أن تقضي عمرك في اللهث وراء العلاج.
استضافت إذاعة «بي بي سي» فنانة كوميدية أصيبت بالاكتئاب مما جعلها تنعزل لمدة ثلاث سنوات. سألتها المذيعة كيف تتعايشين مع الاكتئاب في هذه المرحلة، فأجابت: تعلمت كيف أفهم عقلي وأتفاهم معه. العقل مثل الجو يمكنك التنبؤ به. حين تستشعر أن ثمة سحاباً سيؤدي إلى المطر عليك تحضير مظلتك. تعلمت حين يبدأ مزاجي بالتعكر أن أعمل «shut down» لكل المثيرات السلبية والعلاقات المتوترة.
تشير العديد من الدراسات إلى أن ما يزيد عن 20% من البشر يقضون حياتهم يعانون من الآلام المزمنة. مما يجعل حياتهم تمضي بصعوبة نتيجة الإنهاك الصحي والتوتر واضطراب العلاقات مع الآخرين وخسارة الوظائف أحياناً مما يؤدي إلى الأزمات المالية والإفلاس. وتشير بعض النتائج إلى أن أصحاب الآلام والأمراض المزمنة هم أكثر الناس عرضة للانتحار.
وأهم توصية تخلص إليها الدراسات أن يتعلم الإنسان كيف يتعايش مع آلامه وأمراضه بفهمها وتفهم تعاملها الخاص مع جسده وعقله. وأن يتشاغل عنها ما استطاع بكتابة مذكراته اليومية وبتمارين الاسترخاء وبتوجيه رسائل محبة للذات ودعم للنفس وتفاؤل بالحياة.