صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى: عِراق

كالمد يصعد، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون

الريح تصرخ بي: عِراق

والموج يعول بي: عِراق، عِراق، ليس سوى عِراق.

هذه أبيات من قصيدة «غريب على الخليج» لبدر شاكر السياب، قالها في الكويت حيث مات لاحقاً في مستشفى الصباح 1964. وفي مطلع الانتفاضة الشعبية الحالية في العراق غرد خليجي بهذه الأبيات في تويتر، فرد عليه مغرد عراقي:

عُراق وليست عِراق

فالعراق لا تُكسر عَينهُ

ولا نعلم إن كان التقاط مثل هذه «القرصات» يشكل صورة المشاعر بين الخليجيين والعراق بصورة عامة! كلاً بالطبع، ليست هذه هي المشاعر بين الأخوة، لكنها ملاحظة ليست فارغة من المضامين. فهي على الأقل تظهر قدر العشم العراقي على الخليجيين، مع اعتزازعراقي لا يمكن تجاوزه. لكن لماذا يلومنا أخواننا في العراق وكأننا من قاد الأمور إلى هذا المنحى البائس، فلسنا من احتل بعسكره وتابعيه وزواره وحجاجه وتومانه شوارع البصرة وبغداد فأفسدها بدرجة جعلت الفساد مثيراً للغيرة لا النقمة. وحين تجاوز الجرحي 6000 جريح، وتجاوزمن قتله الأمن 120 شهيداً، وتجاوز المعتقلين آلالف، وشاهدنا جيش العراق لا يدافع عن شباب العراق، أدركنا خطورة ما يجري، فالأمور ليست في نصابها وقد تفلت من عقالها فيصل الخليج شرر نيرانها.

- واجهت الحكومة المتظاهرين بقنابل صوتية ودخانية وخراطيم مياه وطلقات حية. تكفي لتحرير الموصل، وتمت عسكرة الشارع العراقي وقمع المنتفضين. وبطش الحكومة هذا يظهر انها ليست في وارد الحل بل القمع والاحتفاظ بالسلطة حتى لو بثمن غالٍ. ولانستبعد تصدير الازمة للخروج منها، وهو نهج مستمد من إرث الحكومات السابقة، بأتهام الجوار بإشعالها، ثم إختلاق أزمه معهم لتشكل اصطفافات غير واعية تذيب زخم الانتفاضة، وقد بدأت هذه الخطوة جهات حزبية تتهم دول خليجية بتأجيج الشارع.

- تذكرنا الاحداث الراهنة بالانتفاضة الشعبانية 1991 ومظاهر الاضطراب في مناطق الجنوب منذ 3 مارس لمدة شهر، قبل ان يقمعها الطاغية بعد سماح الامريكان له باستخدام طائرات الهيلكوبتر، وهي السلاح الذي مهر في استخدامه طوال حربه مع ايران لمدة 8 سنوات، وكان من تبعاتها نزوح 83 ألف لاجئ عراقي لحدود الكويت وتشكل اكبر تجمع للبؤس البشري فبدون الماء والطعام كان يموت 13 طفل يوميا. هذا المشهد قد يتكرر على حدود الكويت والسعودية فالقمع واحد والهروب منه في اتجاه واحد.

- ترى حكومة المنطقة الخضراء ان المظاهرات يجب أن ترخص بإذن وتحدد فيه بدايتها ومدتها والمطالب التي لمنظميها والشعارات التي سترفع. ولأن وسائل التواصل الاجتماعي قبل قطعها قد هزمت قنوات الحكومة وابواق الاحزاب، وأظهرت هشاشتها، فلابد ان تبحث المنطقة الخضراء عن ذريعة حرب، فأخذت في تسويق أن المظاهرات تقاد من الخارج عبر تويتر ولم ترسل من إيران بل من الجوار الخليجي، ولعل في تصريح فالح الفياض رئيس ومستشار الأمن الوطني العراقي ورئيس هيئة الحشد الشعبي سابقاً ما يشير إلى هذا الإدراك.

- نجزم أن رجال قاسم سليماني في حالة استنفار لإعادة دق أوتاد خيامهم في مكان أكثر صلابة. فانتفاضة الشعب العراقي معدية وإن لم تصل طهران فسوف يواكبها انتفاضة بلبنان وسوريا واليمن. من جهة اخرى تقرأ طهران الازمة العراقية كمتنفس تستطيع منه قصف أي مصفاة نفط في الخليج، فما يجري هي الفوضى الخلاقة لطهران.

* بالعجمي الفصيح:

الصمت الخليجي الرسمي في بداية انتفاضة العراق غير مبرر. فقد أقرت حكوماتنا بالقلق، حين طلبت من رعاياها مغادرة العراق، بل إن الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية والمنظمات الحقوقية استنكرت ما يجري، فيما لم تواكب الامانة العامة لمجلس التعاون تعاطف شعوب الخليج مع انتفاضة شعب العراق. رغم اننا الأقرب ويجب ان يكون لنا رأي في كل حدث إقليمي يناسب الدور الخليجي القيادي الجديد.

* كاتب وأكاديمي كويتي