أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية العقيد ركن تركي المالكي يوم الأربعاء الماضي، أن الهجوم الإرهابي الذي استهدف منشآت أرامكو في البقيق وهجرة خريص قد جاء من الشمال بدعم من إيران، مستعرضاً الأدلة التي تثبت تورط إيران في أعمال التخريب والإرهاب في المنطقة عبر وكلائها.

المالكي استعرض طائرات مسيرات إيرانية الصنع «درونز»، من طراز «دلتا- ونج» التي شاركت في الهجوم على أرامكو وبقايا طائرات من دون طيار إيرانية الصنع، إلى جانب استعراض مقطع يظهر الطائرات المسيرة التي هاجمت معملي أرامكو وهي تحلق من الشمال للجنوب وصواريخ كروز دقيقة من طراز مدون عليها «يا علي»، وأن الطائرات المسيرة التي هاجمت المنشأتين استخدمت نظام تموضع متقدماً، وهذا الاستعراض العلني يؤكد ويدعم أن المملكة العربية السعودية ليس لديها ما تخفيه بشأن تفاصيل ما حدث مهما حاول الإعلام الإيراني التضليل وادعاء أن الهجمات قد جاءت من اليمن رداً على مزاعم تقدم قوات التحالف العربي.

اللافت في ما فنده المالكي أمام الادعاءات الإيرانية أن الهجوم قد جاء من عصابات الإرهاب في اليمن، إلى أن الحرس الثوري الإيراني أعلن فبراير الماضي امتلاكه طرازاً متقدماً من تلك الصواريخ «على ما يبدو إعلانهم كان يختبئ وراءه هذا المخطط ويحمل رسالة تهديد مبطنة»، موضحاً كذلك أنه تم استخدام 25 طائرة مسيرة وصاروخ كروز للهجوم على المنشأتين في السعودية، وأن هناك 3 صواريخ لم تصب أهدافها في الهجوم، وأن السعودية تفتخر بقدراتها الدفاعية الجوية التي صدت أكثر من 200 صاروخ باليستي.

وقد أكد المالكي أن السعودية لديها أدلة تفند ادعاءات إيران حول الهجوم، وأنه قد انطلق من اليمن كما تزعم أذرع إيران الإرهابية، وأن هذا الهجوم الإرهابي لا يستهدف السعودية فقط وإنما أيضاً المجتمع الدولي وأمن الطاقة، داعياً المجتمع الدولي للتعامل مع ممارسات إيران الخبيثة في المنطقة، خاصة أن هذا الهجوم هو امتداد لهجمات سابقة تقف خلفها إيران.

وأمام ما ذكرته عدد من التقارير الأمريكية التي نشرها الموقع الإخباري CNN، أن الولايات المتحدة حددت مواقع في إيران أطلقت منها الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، وهي مواقع في جنوب إيران وفي الطرف الشمالي للخليج العربي، وأن الدفاعات الجوية السعودية لم توقف الطائرات بدون طيار والصواريخ لأنها كانت موجهة جنوباً لمنع هجمات قادمة من اليمن، وهذه التقارير الأمريكية بالأصل تدعم ما كشفته وزارة الدفاع السعودية أن الهجمات قد جاءت من الشمال لا من الجنوب، أي من اليمن.

إن الهجمات الإرهابية على المنشآت النفطية في السعودية من قبل نظام طهران الجائر وبشكل مباشر هذه المرة، هو تطور إرهابي نوعي، فإيران ومنذ سنوات طويلة تهاجم شرعية وأمن واستقرار الدول العربية من خلال أذرعها الإرهابية المغرر بهم في أوطاننا العربية وزرعها لخلايا إرهابية يتم تدريبهم في معسكراتها الإرهابية في إيران والعراق ولبنان، لكن هذه المرة يبدو أن إيران تود تنفيذ تهديداتها المبطنة التي خرج بها رئيسها حسن روحاني في أغسطس الماضي، حينما قال إنه إذا تم منع إيران من بيع نفطها فإن الممرات المائية الدولية لن تكون آمنة أمام التحركات الأمريكية لتصفير الصادرات النفطية الإيرانية وإزالة نحو 2.7 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني من الأسواق العالمية نتيجة لقرار واشنطن إعادة فرض العقوبات على جميع مشتريات الخام الإيراني، فالهجوم الإرهابي يعتبر رسالة انتقام من هذا النظام الجائر لاستهداف المنشآت النفطية السعودية كنوع من محاولات ضرب الاقتصاد العالمي وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بالأخص منطقة الخليج العربي، حيث إنه، أمام انخفاض إنتاج النفط السعودي إلى النصف، دفع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إلى الإعلان عن إمكانية الاستفادة من احتياطاتهما الاستراتيجية.

كما أن ما ذكره الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن الهجوم الإرهابي على المنشآت النفطية في السعودية رد فعل من الشعب اليمني، مؤشر آخر يكشف مدى تورط النظام الإيراني بهذا الإرهاب الجائر، وأن إيران مستنفرة ومصابة بهستيريا إرهابية جعلتها تتهور وتتورط في هجمات إرهابية مباشرة بدلاً من أن تنفذها أذرعها الإرهابية في اليمن أمام تقدم قوات التحالف في اليمن، وكلها أيضاً دلائل على أسباب تعالي نبرة الهجوم الإعلامي والإلكتروني الإيراني والقطري منذ بدء عاصفة الحزم في اليمن، وأسباب محاولة النظام الإيراني والقطري تحشيد الرأي العام العربي وتأليبه ضد انطلاق عاصفة الحزم للتصدي للمؤامرة الانقلابية في اليمن، والأسباب الحقيقية التي أدت إلى التحرك العسكري والتضامن من قبل قوات التحالف العربي لدعم الشرعية مع الشعب اليمني الشقيق لردع الميليشيات الحوثية التي أرادت اختطاف هوية وشرعية اليمن العربية، وأمام تهديداتهم باقتحام أطهر بقاع الأرض مكة المكرمة وتهديد أمن السعودية الجنوبي.

إن دعوة السعودية الأمم المتحدة والخبراء الدوليين للمشاركة بالتحقيق في الهجوم على المنشآت النفطية السعودية هي خطوة ذكية تحسب لها، بعد المكاشفات التي ظهرت بها وزارة الدفاع السعودية واستعراضها خلال المؤتمر الصحفي للأسلحة الإيرانية، ما يؤكد أن السعودية دولة حق وأنها لم تتهم إيران جزافاً، إنما لديها كامل الأدلة والإثباتات التي تؤكد عدائية النظام الإيراني وتجاوزاته السافرة، فهذا الهجوم الإرهابي يكشف الوجه القبيح لنظام طهران الجائر ومدى تجاوزاته لمواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية وتهديد الأمن والسلم الدولي، ولابد من اتخاذات إجراءات دولية من قبل المجتمع الدولي كرد على هذا الهجوم الإرهابي، تماشياً مع التوجه الدولي في الحرب على الإرهاب وتعزيز الأمن والسلام الدولي.

السؤال الذي يلي هذا الهجوم الإرهابي وأمام إعلان رئاسة الأركان العامة في الجيش الكويتي رفع حالة الاستنفار بين أفرادها مع التنسيق الأمني مع مختلف القطاعات العسكرية والأمنية لمواجهة الأخطار المحدقة ورفع حالة الاستعداد القتالي لبعض وحداتها وأعلى درجات الجاهزية والكفاءة القتالية للجيش، هل ستكون هناك حرب عالمية ثالثة -لا سمح الله- وصدام عسكري مباشر بين السعودية وإيران؟ هل ستلجأ إيران إلى تهديد أمن شمال السعودية من خلال مهاجمة الكويت الشقيقة -بعيد الشر- مثلما فعلت في اليمن الشقيق كمحاولة لاختراق الداخل السعودي جنوباً؟

المؤشرات والمعطيات تكشف أن النظام الإيراني قد يقوم في الفترة القادمة بمهاجمات مباشرة وعدائية أمام ازدياد اختناق الاقتصاد الإيراني وتقليم أذرعه الإرهابية في المنطقة والاقتراب من انتهاء الوجود الحوثي على أرض اليمن، وهو ما لا توده إيران بالطبع، وقد تكون هناك هجمات عدوانية مشابهة في مضيق هرمز تستهدف ناقلات النفط البحرية، وأن الكويت اليوم مستهدفة أمنياً وعسكرياً من قبل الميليشيات الإيرانية في المنطقة، بالأخص في العراق وسوريا وإيران، وأنه لا توجد ضمانة حقيقية ألا تتورط إيران في هجمات إرهابية جديدة وبشكل مباشر تستهدف أمن واستقرار دول الخليج العربي، أو ألا تخبئ لنا الأيام القادمة قيام إيران باستهداف أنابيب النفط البرية كذلك.

وأمام إعلان الرئيس الأمريكي يوم الأحد الماضي أن الولايات المتحدة على أهبة الاستعداد للرد على مرتكب الهجوم الإرهابي والمضي قدماً في اتخاذ الإجراء العسكري اللازم وأن الإدارة الأمريكية تبحث الرد العسكري اللازم مما يدعم أن هناك خطوات أمريكية جادة في ردع العدوان الإرهابي الإيراني وأن أمريكا ستكون من أوائل الدول المتصدية له، إلا أن الحكمة تظهر بوضوح في موقف المملكة العربية السعودية التي تسير وفق نظام الإجراءات الدولية في دعوة المجتمع الدولي للمشاركة في التحقيق، مما يعكس أن هناك خطوات جادة من قبل السعودية في إشراك مجلس الأمن للتعامل دولياً مع النظام الإيراني الجائر، حيث إن القضية لا تعني فقط المملكة العربية السعودية أو الولايات المتحدة الأمريكية، إنما أيضاً لها انعكاساتها الأمنية الخطيرة على المجتمع الدولي ككل، وأن الحاجة اليوم تكمن في التعامل مع النظام الإيراني وردع سياساته الإرهابية والتخريبية في المنطقة التي تهدد دول العالم أجمع وبالأخص الاقتصاد الدولي، فإيران اليوم ومن خلال هذا الهجوم السافر تتحدى دول العالم أجمع في قفزها وتجاوزاتها على المواثيق الدولية، وتحاول بسط نفوذ عسكري عدواني لها، دون أن تكترث للأبعاد وتبعات ما تقوم به من إرهاب مسلط نحو النفط سواء باستهداف المنشآت النفطية أو ناقلات النفط، ودون وضع أي اعتبار لردود الفعل الدولية، مما يعني أهمية إيجاد تعامل حازم ورادع لهذا النظام الذي لا يود خيراً ولا يكف إرهاباً وشراً.