موضوعياً.. يصعب الحكم على قصة وفاة الشابة الفلسطينية إسراء غريب، فالقصة مبنية على أقوال وتغريدات وتسجيلات وتحليلات غير موثوقة المصدر. ولكن المقابلة، غير المنطقية، التي أجرتها إحدى القنوات الفضائية الفلسطينية مع عائلة إسراء، واقتصرت على «رجال الأسرة»، تبين أن الفتاة عاشت مع أسرة غير سوية وفي أجواء غير سوية كان لابد أن تودي بها إلى الموت قتلاً، أو انتحاراً كما صرح «رجال» الأسرة.

رجال الأسرة ألقوا بلائمة النهاية المأساوية للفتاة على «الجن» الذي تصرف، دون إرادة منها، بهيجان وعنف جعلها تلقي بنفسها من شرفة المنزل، ومكنها، برغم الكسور الخطيرة في جسمها، من ركل زوج أختها وكسر ثلاثة من أضلاعه!! بمعنى آخر فإن موتها لا دليل يوصل لسببه لأنه كان نتيجة حالة عصبية، لا دليل عليها، مثل تقرير طبيب نفسي أو مراجعة لمصحة نفسيه، وطبعاً.. لن يستطيع أحد استدعاء الجن ليعترف بدوره في مقتل الفتاة. صحيح أن الجن تفسير قديم للأمراض النفسية والعقلية، ولكنه أيضاً كان ذريعة لقتل المعارضين السياسيين أو الأدباء المخالفين أو كل من يخرج عن «بيت طاعة» سلطة المجتمع أو الأسرة. والصدمة التي أدت إلى الضجة الإنسانية الكبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي في موضوع وفاة إسراء غريب مصدرها أن الروايات تشير إلى مقتل الفتاة بسبب سلوكياتها المستقلة المتمثلة في خروجها مع خطيبها وظهورها على وسائل التواصل الاجتماعي. وهي مبررات من خارج التاريخ والمكان. وتنم عن تحجر مرعب، وفكر خانق لن يغادرك وأنت تشاهد هيمنة «رجال الأسرة» على المشهد في المقابلة التلفزيونية وهم يتكلمون عن إسراء وتواجدهم المحاصر لها في كل تفاصيل موتها التي ذكروها. أرادوا أن يثبتوا أنهم كانوا يحيطونها برعايتهم ومتابعتهم، لكنهم فرضوا سؤالاً عن غياب الآخرين من حولها في معاناتها الأخيرة واقتصار شخوص قصة مقتلها على إخوتها وزوج أختها.

في جريمة أخرى أكثر ترويعاً عمد أب يمني على تعذيب ابنته ذات العشر سنوات ورميها من شاهق لأنه شاهدها تلعب مع الأولاد واشتبه بفقدها عذريتها. الأب صور مشاهد التعذيب المروعة بحضور أخيه عم الطفلة. وختم تقريعه للطفلة بتقريرها بخطيئتها كي يلقي بها في جهنم عن استحقاق بعد اعترافها. وقد برر الأب، بعد القبض عليه، تصويره لجريمة تعذيب طفلته وقتلها وتواجد العم بأنه إثبات لوقوع الفتاة في الذنب واعترافها بذلك بالتالي إعفاؤه من أي مساءلة قانونية. إنها قصص قليلة تلك التي نتعرف عليها من وسائل التواصل الاجتماعي أما المسكوت عنه، فربما لا حصر له.

حين نطالب بتعديل القوانين المرتبطة بالوضع الاعتباري للمرأة في المجتمع، من كونها مخلوقاً ناقصاً وبحاجة إلى التقويم والضبط إلى قوانين تتعامل معها باعتبارها إنساناً مكتمل الأهلية، فنحن لا ننطلق من فراغ. فالمنظومة الذكورية بالغة الإحكام في نهجها العنيف ضد المرأة تتجذر في المجتمع بعوامل تراثية وأعراف وأقوال قديمة يتعمد حراس المنظومة القديمة تلبيسها بالمقدس في كثير من الأحيان. وهو أمر لا يتوافق مع سياق العصر، الأمر الذي يجعل المنطقة العربية والإسلامية خزاناً، مريباً في نظر العالم المتقدم، للنساء الهاربات وطالبات اللجوء للغرب أو القتيلات والمنتحرات.