لا تبنى الأحكام إلا على أدلة وبراهين، فليس من الإنصاف أن نتهم أية جهة بتهمة ما سواء دولاً أو أفراداً إلا بأدلة. ومناسبة هذا القول أنه في الفترة الأخيرة ظهرت بعض الأقلام للكتاب النشاز في مواقفهم في التشكيك في مواقف دول الخليج العربية والسعودية نحو موقفهم من القضية الفلسطينية، وهذه أسطوانة مشروخة سمعنا بها منذ زمن طويل في العديد من المناسبات، منها كيف كان دورهم عند احتلال الكويت من قبل العراق وذلك في الثاني من أغسطس 1990؟ ولذا جاء الوقت الذي يصرح فيه المواطن الخليجي بمواقف الدول الخليجية والسعودية من القضية الفلسطينية، فلا أبالغ عندما أقول إنه ولكي لا يبدو الحديث منحازاً لأحد ندعم السالف من القول ببعض الحقائق التي لا تحتمل التأويل والتهويل، حيث قدمت وتقدم دول الخليج العربية والسعودية في السر والعلن المليارات من الدولارات للفلسطينيين، وهذا واجب عليهم تمليه روابط الانتماء العربي والإسلامي، وعلى الصعيد السياسي سهلت المفاوضات وأسهمت في الوساطات ودعمت الموقف الفلسطيني في كل المحافل الدولية من خلال العمل الدبلوماسي، أو من خلال الجمعيات الإنسانية والمؤسسات الخيرية. ولم يكن هذا الدعم جديداً حيث بدأ عندما قطعت المملكة العربية السعودية إمداداتها النفطية عن فرنسا وإنجلترا وإسرائيل خلال العدوان الثلاثي 1956، وفي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 تم وقف الصادرات إلى الولايات المتحدة، فيما واصلت دول الخليج موقفها حيث أنفقت من دخلها القومي دعماً للقضية الفلسطينية حتى وصل بعضها إلى اقتطاع بعض رواتب مواطنيها دعماً للنضال الفلسطيني الذي يشرف كل عربي، ولكن في النهاية يبقى القرار بيد الفلسطينيين ولا يفرض عليهم أحد أي قرارات.

إضافة إلى أنه كم من مشروع سكني خليجي بني في فلسطين وسمي باسم البلد الذي أنشأته، وكم أسرة شهيد ومصاب تبنتهم دول الخليج.. والأمم المتحدة خير شاهد على وقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني إلى هذه اللحظة، والقمم العربية والمبادرة العربية لخادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، ولم يغب عن دعمهم المطلق لفلسطين توحيد الصف الفلسطيني، وكان أول لقاء مصالحة بين فتح وحماس في مكة المشرفة بإشراف خادم الحرمين الشريفين السابق الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، ولكن في النهاية يبقى القرار بيد الفلسطينيين ولا يفرض عليهم أحد أي قرارات..

هذا واجب وطني وقومي على الحكومات الخليجية والعربية وليس منة، فالقدس قضيتنا كعرب ومسلمين والأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولايزال الدعم مستمراً إلى يومنا هذا حيث تطالب الدول العربية بقيام دولة مستقله للفلسطينيين على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية في كل محفل، فيما تواصل تقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي للقضية، ‪ولا يمكن لعاقل ولا لغير العاقل -وهم كثير هذه الأيام- إلا أن يتواضع أمام هذه الحقائق التي تشهد ألا دول في العالم أعطت فلسطين ووقفت إلى جانبها كما فعلت دول الخليج العربية والسعودية التي مرت عليها أيام جعلت من القضية الفلسطينية أولوية تجاوزت رزقها ورزق أبنائها منطلقة من المبدأ الذي صاغه زايد العرب «البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي»، ولتستمر هذه النخوة إلى يومنا هذا حين تقوم دولة فلسطين وعاصمتها القدس، أما أولئك الذين يتبجحون في القنوات الفضائية العربية المدفوعة الآجر مقدماً من قبل أعداء الأمة مثل النظام الإيراني ويرتزقون بآرائهم البغيضة وتزويرهم المستمر وهم الطابور الخامس لإسرائيل وإيران، بيد أنه بالمقابل نقولها وبحسره وصراحة، نقولها إن المنظمات الفلسطينية هي التي أضرت وتضر بالقضية الفلسطينية وذلك عندما تتقاتل المنظمات الفلسطينية فيما بينها كما هو حاصل اليوم، حيث حماس في غزة وفتح في الضفة الغربية وتحالف بعض منها مع إيران التي هي بمثابة إسرائيل لدول الخليج العربية، ذلك التحالف الذي جمع بين حركتي حماس والجهاد والنظام الإيراني، وتنسق هاتان الحركتان مع هذا النظام الذي لا يقل خطراً عن إسرائيل، ولا أريد أن أستطرد فها هو النظام الإيراني يدعم الحوثيين في اليمن و»حزب الله» في لبنان و»الحشد الشعبي» في العراق، وتدخل في مملكة البحرين، ودعم المأجورين بالمال والسلاح، مع كل هذا لم يصدر من هاتين الحركتين الفلسطينيتين حتى بيان تستنكران فيه هذا النظام التوسعي الذي هو لا يقل تأثيراً عن إسرائيل، وارجعوا إلى ما قام به المقاتلون الفلسطينيون المتحالفون مع النظام السوري من مذبحة لإخوتهم في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا. وبدل أن تسهم هاتان المنظمتان في التقريب في العلاقات بين الدول الأربع وقطر، راحت حماس تؤجج من هذه الأزمة وتحالفت مع النظام القطري الذي استغل علاقاته مع إسرائيل في صرف الرواتب من قطر عن طريق وزارة الدفاع الإسرائيلية وتدعي أنها «رواتب الموظفين». إن في التاريخ الحديث عبراً ودروساً لحركات التحرر الوطني هي خير مثال إذا ما أرادت منظمة التحرير أن ترجع لها وتستفيد من دروسها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نضال حركة التحرير الوطني التي قام بها القائد نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا وهو نظام استيطاني، حيث استمر يناضل لقرابة 50 سنة ضد الاستعمار الاستيطاني الذي تكون من المهاجرين الأوروبيين، واستطاع مانديلا بالمسيرات السلمية والاعتصامات أن يحقق الاستقلال الوطني لشعبه ويتكيف مع السكان البيض ويصبح رئيساً للجمهورية وبعد ذلك يستقيل، لتدرك منظمة التحرير الفلسطينية هذا الدرس من مانديلا وتعرف أن الاستعمار الاستيطاني هو من أشد أنواع الاستعمار وأن التعامل معه يتطلب الحكمة وبعد النظر. لقد تحمل العرب الكثير من أجل الثورة الفلسطينية ونتج عنها مشكلات سياسية واقتصادية تعصف بالعالم العربي، ولاتزال تعصف بالدول العربية، ولذا على حركة منظمة التحرير الفلسطينية وحماس أن تقدر ذلك وتدرك أنه في النهاية لن يقف مع الفلسطينيين في ثورتهم غير العرب! ولا ننسَ أن هناك شعوباً عربية لاتزال تخضع للاحتلال، وهناك وطن عربي آخر مغتصب من قبل النظام الإيراني وهو منطقة الأحواز العربية، وهي أكبر في مساحتها من مساحة فلسطين بعشرات المرات، وبها ثروات من النفط تذهب لحكم الملالي في طهران، وجزيرتا أبي موسي وطنب الصغرى والكبرى التابعتان لدولة الإمارات العربية المتحدة، هذه أراضٍ عربية مغتصبة، أليس لكل هذه الشعوب العربية حق علينا؟! وفي النهاية على الفلسطينيين الذين هم إخوة لنا، أن يدركوا أنه مهما قاموا به من إساءة لدول الخليج العربية عليهم أن يعرفوا أنه لن يحل قضيتهم إلا هم، وعليهم أن يزيلوا الانشقاقات بينهم ويحلوا خلافاتهم حتى يمكن للعرب أن يقفوا معهم.