ذكرنا في مقال سابق أن خروج الخطاب عن الموضوعية والمصداقية والحياد يجعل منه دعاية مقصودة ذات مرام شتى، ويقطع كل صلة بمفهوم الإعلام الموضوعي الذي يعبر عن الحقيقة ويستهدف تكوين رأي عام مستنير، فالدعاية غايتها الإقناع بكل الوسائل المتاحة - صدقاً أو كذباً - عقلاً أو عاطفة - فالمهم - الاستحواذ على عقل المتلقي ووجدانه وسلوكه - وخاصة في شقها السياسي -، وهذا ما أكدته الحملات الدعائية التي اتبعتها الدول الغربية - مثلا - إبان الحرب الباردة لإسقاط الاتحاد السوفيتي السابق، حيث أنفقت هذه الدول مليارات الدولارات على حملات الدعاية للتأثير في المواطنين السوفييت حتى انهار هذا الكيان الضخم ككومة من القش، كما استخدمت الدعاية منذ الحرب العالمية الثانية بين النازي والحلفاء، وبرغم أن المواثيق الدولية تجرم استخدامات الدعاية وخاصة ما يتعلق منها بنشر الإشاعات وترويج الأكاذيب بين الدول إلا أنها للأسف لا تزال تستشري في منطقتنا - عبر الوسائط الجديدة - منذ أحداث ما يسمى بالربيع العربي بكثافة حيث استهدفت إسقاط الدولة الوطنية العربية، ولا تزال هذه الحملات الدعائية تشن علينا من كل صوب وحدب بغرض إحداث الفوضي في المنطقة وإثارة النعرات الإثنية والطائفية فيها لتكون لقمة سائغة للمشروعات الإمبريالية الجديدة في الإقليم العربي خصوصاً المشروع الغربي الصهيوني والمشروع الإيراني القائم علي ما يسمى بتصدير الثورة، ولهذا لوحظ تناسل كثيف في المحطات الإخبارية التلفزيونية والإذاعية والصحف الورقية والمواقع الإلكترونية التي تحولت إلى أبواق دعاية ذات توجهات أيديولوجية لخدمة مشروعاتها التدميرية.
وعودة للبرنامج الفج الذي بثته قناة الجزيرة القطرية مؤخراً فإنه كما - أسلفنا - يمثل نموذجاً صارخاً لهذا الخطاب الدعائي الفج الذي يتوسل بالخداع لإقناع المشاهد مستغلاً عدم إحاطة الكثيرين من خارج المنطقة بتفاصيل الأحداث التي وقعت عام 2011، فبالإضافة إلى الأخطاء الفنية الفادحة في التنفيذ الفني، فإن السقوط في حمأة التضليل كان أبرز ما ميز هذا البرنامج سواء من شهادات غير العدول، أو المطلوبين للعدالة - وعلى قوائم الإنتربول - واقتباسات من كتبة كاذبين، وتجيير لوقائع قديمة مهلهلة لا تمت لواقع الحال بشيء، لقد حاول البرنامج أن يمرر بخطابة ركيكة وساذجة جملة من الأكاذيب التي لا تنطلي على أحد مثل الربط بين قيادة البلاد والتنظيمات الإرهابية!، وأن الاحتقان الطائفي مرده نظام الحكم! ، وأن ما يسمى بالمعارضة كانت سلمية!، ولكنه أخفق - بجدارة - في تمرير هذه الأكاذيب الثلاث وأثار الشفقة والسخرية من سوء ما أنتج ومن ضحالة ما طرح لاعتبارات موضوعية ومهنية تم تناولها في الجزء الأول.
وختاماً تبقى البحرين علية بقيادتها قوية بتماسك شعبها ووعيه في وجه هذه الحملات المسمومة، وستبقى كما كانت دائماً موئل أمن، وواحة سلام، وحفظ الله البحرين.