إن الأمم التي تهتم بتراثها تهتم بأدبائها ومثقفيها وتعيد قراءتهم من خلال ما يوجد عندهم من مقتنيات أدبية وتاريخ ثقافي طويل، وما يحملون من كنوز فكرية تستحق أن تكون مقصد كل باحث ومفكر. مئات المؤلفات والمقالات النقدية الأدبية والفكرية نشرت لهم، عملوا في الخفاء ومن وراء الكواليس ومجالس في بيوتهم عمرت بذوي القلم الجريء والفكر الحر وألسنة نطقت بحق الحرف وتأثير الكلمة، نعم هكذا كان أدباء ومثقفو البحرين قديماً.

يأتي مقالي اليوم ليدافع عن مقتنيات تكتنز بيوت المثقفين والأدباء البحرينيين وبدافع الخوف على هُوية الأدب البحريني ومن واجبي الثقافي الأدبي عليّ أن أخبركم أن هناك كنوزاً أدبية سمعت عنها فذهبت لاكتشافها فلمستها وشاهدتها وتمنيت أن يكون كل شخص مهتم بالحركة الثقافية الأدبية بصحبتي؟ فماذا لو يكون الأديب وما يحمل من تلك المقتنيات جزءاً من الذخائر المعترف بها كقيمة وطنية؟ وماذا لو يتم الالتفات لهؤلاء الذين يحملون في جعبتهم مقتنيات عظيمة؟؟

منذ شهور كنت أجالس الدكتور الشاعر علوي الهاشمي لأطلع على أرشيف من الصور القيمة والتسجيلات الصوتية التي تخص الحركة الثقافية والأدبية منذ تأسيس أسرة الأدباء والكتاب عام 1969 وحتى اليوم، لأزور بعدها بأيام الأستاذ الناقد أحمد المناعي في بيته والذي يعتبر بحد ذاته دارة فكرية، يأمل كل مثقف بحريني ومن خارج البحرين زيارته، مكتبات داخل بيته الخاص وليس مكتبة. أرشيف وثائقي تاريخي ومجلس يعتبر صالوناً ثقافياً عامراً بالمهتمين بالثقافة وأصحاب الكلمة والفكر الحر حتى عام 2018، إلى جانب احتفاظه بملفات تخص كل أديب وكاتب بحريني! لأتحدث بعدها بأيام مع الشاعر قاسم حداد وأجلس معه والكاتب خلف أحمد خلف والأستاذ إبراهيم بشمي ليطول الحديث معهم عن التاريخ الأدبي وليزودوني بنسخ من مقالات وكتابات أدبية قيمة لهم ولمن كان معهم في الحركة الفكرية والأدبية والثقافية في حقبة تعتبر الحقبة الذهبية لتاريخ البحرين الأدبي والثقافي.

نعم هناك العديد من الرموز الثقافية الأدبية التي تستحق الالتفات إليها لما يوجد لديها من أثر فاعل في الحراك الثقافي والأدبي، ولما فعلوا وقدموا من أجل الثقافة البحرينية، وتجميع كنوزهم في متحف أو مركز ثقافي أدبي للمحافظة على ما يتوافر عندهم ولاستفادة المهتمين بتلك الإثباتات والمقتنيات النفيسة.

عندما حولَ منزل طه حسين الذي عاش فيه فترة طويلة من حياته هو وزوجته سوزان الفرنسية وابنيه مؤنس وأمينة إلى «رامتان» عام 1992 وهو متحف خاص به في منطقة الجيزة، ليرى الناس ملامح وتفاصيل حياة هذا الأديب ولتتكامل عند الزائر ثيمات الصور والمواضيع عن عميد الأدب العربي والعصر الذي عاش فيه، وكيف كان حافلاً بالأحداث الفكرية والاجتماعية والسياسية.

منذ فترة نشرت جريدة الشروق المصرية مقالات لعباس محمود العقاد توضح فيها موقف العقاد من الفن التشكيلي، ومنذ فترة أيضاً قررت عائلة نجيب محفوظ الإفراج عن قصص غير منشورة بعنوان «همس النجوم» والتي يفصل بينها وبين «همس الجنون» مجموعته الأولى سبعون عاما! فهل سيكون حالنا بهذا الشكل!

أرشيفنا الأدبي الثقافي في البحرين غني ولا يزال بحاجة ماسة للبحث في خباياه.. ومن واجبنا توثيق تلك التجارب بإنجازاتها الأدبية الثقافية كي نحفظ لهؤلاء الأدباء مكانتهم في ذاكرتنا وذاكرة الأجيال القادمة.. فمن واجبهم علينا أن نصون نتاجهم وسيرتهم وإنجازاتهم من الضياع وعبث الأقدار، كي لا تقع في أيدي من لا يقدّرها ويعرف قيمتها.. فهؤلاء الأدباء والمثقفين هم ضفاف النهر الذي كان يروي احتياج أراضينا الظامئة إلى المعرفة.. فأين ومتى وكيف سيتحقق حلم المركز التوثيقي الأدبي الثقافي؟؟