الأم هي العطاء والأمان والرعاية والدفء والطمأنينة والحب والمودة والسكينة والاستقرار، وإن أول علاقة تتكون في حياة الطفل هي علاقته بأمه وأول ما يرى من الدنيا عندما يفتح عينيه هي أمه.
«فاقد الشيء لا يعطيه» عبارة تتكرر علينا كثيراً وهناك من يؤيدها وهناك من يختلف معها، ففي عملية التربية تكون هذه العبارة صحيحة لأنها عملية تتدرج وتأتي على جرعات للطفل فهي مسؤولية تقع على الأب والأم، ولكن بما أن الطفل في سنوات عمره الأولى يكون قريباً من أمه بحكم حاجته لها من رعاية واهتمام وكونها تملؤه بكامل أمومتها إلى جانب ان سنوات عمره الأولى تعتبر من أخطر وأهم مراحل الطفولة والتي يحتاج فيها إلى الاستقرار النفسي والعائلي، ومتى ما فقد الطفل هذين الاستقرارين يتحول مع الوقت إلى إنسان جاف ممتلىء بالمشاعر الجارفة وبالحرمان العاطفي، بل يصبح عندما يكبر شخصاً عدوانياً غير مستقر نفسياً.
تعتبر السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل مشتلاً أخضر خصباً تزرع فيه الأم لتحصد ثمار تعبها وحنانها وحبها، فتتشكل شخصية طفلها لمستقبل هي رسمته بيدها ليتصرف بحسب ما نشأ عليه، فنجد طريقة علاقته مع أصدقائه وزوجته وأبنائه مرتبطة بنمط طفولته، فإن كان طفلاً تربّى على الحرمان والقسوة سينعكس ذلك عليه وعلى من حوله.
من الصعوبة الافتراض أن كل أم لديها القدرة على إظهار مشاعرها الجياشة النبيلة تجاه أبنائها، فهناك أمهات يحبون بصمت وهذا النوع منهن لا يتماشى مع الجيل الحالي فهو جيل مختلف عن الأجيال السابقة، جيل يحتاج الاهتمام والتعبير والمراقبة، لذلك فهو في حاجة الى الأم المربية والصديقة والمدرّسة.
هناك أيضاً جانباً مؤلمًا في وقتنا الحالي وهو أن مقاييس رقي العائلة اجتماعياً أصبح مرتبطاً بوجود مربية أجنبية لكل طفل لتكون بديلاً عن الأم بسبب الانشغال الدائم للأمهات، فترعاه وتلازمه كل الوقت فيتعلم لغتها وتغذيه بأطباعها فتكون هي الأم الفعلية للطفل، مما يتربى في حيرة من أمره فيمن منهما هي أمه؟! والجدير بالذكر أن وجود هذه المربية البديلة عن أمه سيؤثر كثيراً عليه وعلى حياته المستقبلية، فعندما يكبر ويتزوج سيكون لأبنائه المثل فدورة نمط حياته ستنعكس على أجيال أخرى ستتربى بنفس الطريقة.
تأثير الأم وحنانها على الأطفال له نتائج إيجابية لا تقتصر على حياتهم الزوجية مستقبلاً بل على حياتهم بأكملها، فقد أظهرت الدراسة التي أجراها فريق بحثي من جامعة واشنطن بمراقبة مجموعة من الأطفال الآتي: «إن الأطفال الذين حصلوا على أكبر قدر من الاهتمام والدعم من أمهاتهم قبل دخول المدارس أبدوا نمواً في منطقة الدماغ وهي المنطقة المسؤولة عن مهارات التعلم والتذكر وموازنة الانفعالات تدعى «قرن آمون»».
إن وجود الأم في حياة الطفل ضروري ومهم.. فكلما بذلت الأم وقتاً أطول في رعاية أطفالها ولازمتهم واهتمت بهم في طفولتهم.. ساعد ذلك على استقرارهم نفسياً وعاطفياً واجتماعياً ومهنياً.