عبرت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن والشعب النيوزلندي عن المعنى الجميل للتسامح والتعايش مع الأديان بعد المذبحة الدموية التي قام بها الإرهابي الأسترالي في المسجدين في نيوزيلندا. في البداية ظننا بأن تعاطفها مع شهداء المسجدين وأهالي الشهداء مجرد تعاطف عابر مغلف بالاستنكار الذي لا يتعدى صياغة أدبية للتعبير اللحظي للمجزرة الجماعية التي خلفها مجرم إرهابي يدعي أنه ينتمي إلى الديانة المسيحية السمحة، لكن ما أظهره الشعب النيوزيلندي والحكومة الموقرة برئاسة السيدة جاسيندا أرديرن تجاوز توقعاتنا على مدار أسبوع كامل، فالدعم المعنوي الذي حظيت به الأقلية المسلمة في نيوزيلندا امتد إلى الأقليات في دول أخرى ووصل إلى دولنا المسلمة بانبهار تام على النموذج الرائع للتسامح والتعايش السلمي من خلال احترام حجاب المرأة بدليل حرص الرئيسة وشعبها على ارتدائه للحظات، واحترام ممارسة الطقوس الدينية بدليل الاستمرار في الصلاة في المسجد مع رفع الأذان، واحترام ما جاء على لسان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من قرآن كريم وأحاديث شريفة بدليل ما تضمن خطاب رئيسة الوزراء النيوزيلندية من مقتطفات من نصوص قرآنية.

للأمانة أبهرني ما قامت به رئيسة الوزراء النيوزيلندية وشعبها من احترام وتعاطف معنا نحن المسلمين والذي يعبر عن الحس الإنساني قبل أي تعاطف آخر، أبهرني تناولها للملف الإرهابي بعيداً عن العنصرية والتطرف، ليس كما تتناوله بعض الدول بإسقاطات بعيدة عن الحقيقة التي تهدف إلى الفوضى والتشكيك وتشتت الشعوب. وأحسب بأن غنسانيتها هذه ملكت مشاعر الكثيرين حتى غير المسلمين وكأنها ضمانة للأقليات في نيوزيلندا على مبدأ الاحترام والتقدير والترحيب كرسالة إيجابية للعالم لأهم المعايير التي يجب أن يتحلى بها القائد في تناول مثل هذه القضايا، فالحدة والغضب والعنف والهجوم ينقلها القائد لشعبه وقد يقتدي الشعب به، تماماً كما ينقل القائد الفذ الحكمة والتبصر والتروي لشعبه ويكون الاتزان المجتمعي واضحاً عليهم، لذلك أسرتنا الرئيسة النيوزيلندية بحكمتها في تناولها لهذه القضية فلها منا ولشعبها كل الاحترام والتقدير.

* كلمة من القلب:

من يتعمق في قصص الأنبياء يجد أن ما حدث من إرهاب في المسجدين لطمس الهوية الإسلامية وتحقير للدين وحصره في دائرة التشكيك، إنما كان ذلك وسيلة خدمت الدين الإسلامي ونشرته وتعرف عليه الكثيرون عن كثب، تماماً كما حدث لسيدنا موسى عليه السلام مع فرعون عندما أراد فرعون التقليل من شأن موسى عليه السلام ورسالة التوحيد عندما حشر الناس وكانت النتيجة عكس ذلك عندما آمن الناس بموسى عليه السلام، وقصة نمرود وسيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أعد له ناراً حامية وخرج منها سيدنا إبراهيم عليه السلام بعد أن أصبحت النار برداً وسلاماً عليه، وغيرها من القصص التي كانت النتيجة عكس ما تمناه أعداء الإسلام، فكان الإسلام هو السبيل والنور للنفوس الضائعة والهداية لمن أراد الخير لنفسه. وأحسب أن الكثيرين على أرض نيوزيلندا ومن حولها ستكون الهداية لهم بعد هذه المذبحة الدموية عسى أن يكون ذلك في ميزان حسنات شهداء المسجدين وأهليهم. اللهم آمين.