كأن الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني، حسن نصرالله، يصر على تصدير أزمات العقوبات الأمريكية على إيران، وعلى حزبه، بإصراره على عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية، التي ربما لن ترى النور في المستقبل القريب، حيث دخلت المشاورات نفقاً مظلماً، من خلال تمسك نصرالله، بتوزير أحد المنتمين إلى تكتل ما يعرف باسم «سنة 8 آذار»، أو «سنة حزب الله»، دون أن يسمي نصرالله أحدهم من حصته الوزارية، وهذا ما بدا جلياً من خلال خطابه الأخير، الذي وصفه مراقبون بأنه «أعنف خطاب من نوعه في تاريخه السياسي»، لاسيما وأن الأمين العام لـ «حزب الله»، شن هجوماً عنيفاً على المرجعيات السياسية والدينية في لبنان، خاصة، مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ عبداللطيف دريان، وبطريرك الموارنة، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مشدداً على أنه «لا حكومة في لبنان إذا لم يشارك فيها أحد النواب السنة الستة المحسوبين عليه». وإذا كان نصرالله قد لوح من خلال خطابه العنيف بأن رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري يسعى لتوظيف أزمات العقوبات الأمريكية على إيران من خلال تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن الاتهامات توجه مباشرة إلى نصرالله وحزبه، باعتبار أنه لا يوجد ما يسمى بمصطلح «سنة 8 آذار»، أو «سنة حزب الله»، وأن تلك الأزمة مفتعلة، وهذا ما ذهب إليه مباشرة، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، حيث فسر ذلك بأنه «ببساطة يمكن مراجعة شريط الاستشارات النيابية، حينما حضر كل نائب من بينهم مع كتلته النيابية الحقيقية»، متسائلاً، «لماذا لم يحضر، «سنة 8 آذار»، أو «سنة حزب الله»، الاستشارات ككتلة واحدة؟»، موضحاً أنه «لا وجود لكتلة مماثلة أو لفريق اسمه «سنة 8 آذار»، وإنما تم استجماعهم في الأشهر القليلة الماضية كورقة لتوظيفها في الوقت المناسب». وقبل ذلك، أكدت مصادر سياسية على اطلاع بمطالب «حزب الله» أنه «ما في «لا توجد» معارضة سنية، ما في «لا توجد» حكومة».
ولأن «حزب جعجع»، فجر مفاجأة غير مسبوقة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حينما ضاعف عدد نوابه حيث فاز بأكثر من 15 مقعداً، لذلك، وفقاً لمراقبين، تعرض الحزب لحملة ممنهجة وشرسة من أجل تحجيمه حكومياً لاسيما وأنه ضمن تكتل «14 آذار» المناهض لـ «حزب الله»، ورغم ذلك، وافق جعجع على الحقائب الوزارية التي عرضت على حزبه، رغم أنه اعتبرها تمثل «غبنا»، مقارنة بحجم الكتلة البرلمانية للحزب وبالوزارات المقدمة لجماعات أخرى.
ولم يكن تفسير عقدة «سنة 8 آذار»، مقتصراً على جعجع فقط، بل ذهب إليه كل المحسوبين على تيار «14 آذار»، المناهض لفريق «حزب الله»، وقبلهم زعيم تيار المستقبل، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الذي حمل «حزب الله» بشكل مباشر، المسؤولية عن عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية، حينما أشار إلى أنه «من غير المقبول خلق أعراف جديدة لدى تشكيل حكومة في لبنان»، لاسيما وأن الحريري قدم مبرراته حول رفضه تسمية وزير ينتمي إلى «سنة 8 آذار»، أو «سنة حزب الله»، باعتبار أنهم محسوبون على الحزب، وليس على تيار «14 آذار»، بقوله إن «رفض طلب هؤلاء يعود إلى أنهم لم يشكلوا كتلة نيابية خاصة بهم لدى إجراء المشاورات التي مهدت لتكليفه بتشكيل الحكومة، ولو شكل هؤلاء كتلة وجاؤوا إلى المشاورات النيابية ككتلة، لكان علي توزير أحدهم، وما يدفع إلى وجاهة ما تحدث عنه الحريري أن النواب السنة الستة «سنة حزب الله»، قرروا فرض وزير منهم في الحكومة بعد اجتماعهم بقيادات من «حزب الله».
وإذا كان البعض قد اعتبر أن خطاب الحريري حمل تناقضاً واضحاً، حينما قال إنه «بيّ» أبو«السنة في لبنان»، قبل أن يؤكد أنه «يرفض احتكار التمثيل السني في لبنان»، لكن الحريري ربما حرص على تفسير الأمور بشكل أوضح، حينما أكد أنه «سيكون هناك وزير سني محسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون في الحكومة، في حال تشكيلها، وذلك على الرغم من أنه لا وجود لأي سني بين أعضاء كتلة «التيار الوطني الحر»، وسيكون هناك وزير سني آخر في الحكومة من الكتلة التي يرأسها رئيس الوزراء السابق، نجيب ميقاتي».
لذلك بدت آثار العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، والتي دخلت حيز التنفيذ في 4 نوفمبر الجاري، إضافة إلى عقوبات أمريكية جديدة تم فرضها في 13 نوفمبر الجاري، على 4 عناصر من «حزب الله»، يقودون أنشطة عملياتية ومالية واستخباراتية في العراق، هم، شبل محسن عبيد الزيدي، ويوسف هاشم، وعدنان حسين كوثراني، ومحمد عبد الهادي فرحات، حيث اعتبر وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب واستخبارات التمويل، سيغال ماندلكر، أن ««حزب الله» هو وكيل إرهابي للنظام الإيراني الذي يسعى إلى تقويض السيادة العراقية وزعزعة استقرار الشرق الأوسط»، لاسيما وأن أحد عناصر الحزب وهو شبل محسن عبيد الزيدي، هرب النفط إلى إيران، وجمع الأموال لصالح «حزب الله»، وأرسل مقاتلين إلى سوريا. وفي وقت لاحق، فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على جواد نصرالله ابن الأمين العام لـ «حزب الله»، حيث وصفته بأنه «إرهابي عالمي»، واعتبرته «القائد الصاعد للحزب».
ولأن توزيع المناصب في لبنان يتم على نظام تقاسم طائفي للسلطة، لذلك، ينبغي أن يكون الرئيس مسيحياً مارونياً، ورئيس الوزراء مسلماً سنياً، ورئيس البرلمان شيعياً، ومن ثم يجب أن يتم توزيع المقاعد الوزارية في الحكومة المؤلفة من 30 وزيراً بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين.
ويدرك القاصي والداني أن «حزب الله» يضرب عرض الحائط بمصالح لبنان واللبنانيين، لذلك، لم يكترث لما تجمع عليه القيادات السياسية حول دقة الوضع الاقتصادي بسبب التأخر بتشكيل الحكومة، خاصة وأن الرئيس اللبناني وصف الأوضاع الاقتصادية في البلاد بـ «الدقيقة والصعبة»، في حين، يترقب اللبنانيون إطلاق سراح 11 مليار دولار تعهد بها المانحون الدوليون، في حال تم تشكيل الحكومة، لإنقاذ البلاد من الديون المتراكمة عليها.
* وقفة:
تبدو عقدة «سنة 8 آذار»، أو «سنة حزب الله»، الأزمة الجديدة، التي يفتعلها حسن نصرالله لوضع العصي في عجلات تشكيل الحكومة اللبنانية في محاولة لتصدير أزمات العقوبات الأمريكية المفروضة على حزبه وإيران!!