ما تمر به الدولة اللبنانية من صعوبات، على مستويات مختلفة، سواء اقتصادية أو سياسية، ليست وليدة اليوم، بل هي محصلة سنوات، لكن جرس الإنذار دق هذا الأسبوع مرتين من خلال تصريحات غير مسبوقة لمسؤولين لبنانيين، مختلفون في سياساتهم وأفكارهم وأيديولوجياتهم، لكنهم اتفقوا على أمر واحد هذا الأسبوع، وهو أن «الدولة اللبنانية تواجه وضعاً خطيراً».

جرس الإنذار الأول، جاء بداية هذا الأسبوع، على لسان وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، الذي تحدث عن أزمة سياسية حادة تواجهها الدولة اللبنانية، حينما أكد أن «لبنان دولة ليست ذات سيادة لأنها منتهكة من إيران و«حزب الله»»، وتحدث عن عقبات تقف أمام تشكيل الحكومة اللبنانية لعل أبرزها ما يطالب به حلفاء إيران و«حزب الله»، من الحصول على نحو 20 حقيبة وزارية من أصل 30 حقيبة، من أجل الهيمنة على الحكومة اللبنانية ومن ثم القرار اللبناني. وقبل ذلك تحدث رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري عن الضغوط التي يتعرض لها من أجل التطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد، وهو ما يرفضه الحريري. وظهرت الخلافات الحادة حول تشكيل الحكومة من خلال التصريحات المتبادلة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري، حيث أبدى الأول ملاحظات على تشكيل الحكومة التي حملها إليه الثاني، الإثنين الماضي، معتبراً أنها «لم تراع الأسس والمعايير التي كان حددها لشكل الحكومة والتي تقتضيها مصلحة البلاد»، فيما سارع الحريري بدوره إلى الرد على عون بقوله إنه «ليس هناك من داع لإثارة الالتباس والجدل من جديد حول أمور تتعلق بالصلاحيات الدستورية»، وقبل أيام وصف عون وضع الحريري بشأن تشكيل الحكومة بأنه «مربك»، وفقاً لما أوردته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية.

جرس الإنذار الثاني، جاء بعد ساعات من تصريحات الوزير المرعبي، من خلال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي حذر من أن «لبنان في غرفة العناية والوضع الاقتصادي خطير»، مضيفاً أن «تشكيل الحكومة يحتاج إلى تقديم تنازلات لمصلحة الوطن»، مطالباً «الجميع دون استثناء أن يقدموا التنازلات لمصلحة الوطن والخروج من الأزمة»، لأنه على حد قوله «أي طرف لا يستطيع أن يصل إلى ما يراه أو يريده في تشكيل الحكومة».

ويضع «حزب الله» وحلفاؤه العصا في عجلات تشكيل الحكومة اللبنانية، وهو ما يؤثر بشكل أساس على اقتصاد البلاد لاسيما «في ظل وجود قروض عالقة في أدراج مجلس الوزراء أو البرلمان بانتظار تحويلها إلى استثمارات فعلية»، وفقاً لتحذيرات أطلقها البنك الدولي الذي قدم إلى لبنان في وقت سابق، أكثر من 4 مليارات دولار في مؤتمر «سيدر».

ووفقاً لإحصائيات أوردتها وكالة الصحافة الفرنسية، «بلغ الدين العام في لبنان 82.5 مليار دولار، ما يعادل نسبة 150 % من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يحتل لبنان المرتبة الثالثة على لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم».

ومخطئ من يعتقد أن الخطر اللبناني قادم من إيران فقط، بل إن الوضع الجغرافي يضعه في مرمى نيران الكيان الإسرائيلي، ليس عسكرياً، فحسب، بل اقتصادياً، أيضاً، لاسيما وأن تل أبيب لا تتوانى عن تهديد السيادة اللبنانية سواء برياً أو بحرياً أو جوياً. وإضافة إلى انتهاك المجال الجوي اللبناني وتهديد الحدود البرية، «تعمل إسرائيل على تكثيف النشاط البترولي بالقرب من الحدود اللبنانية خصوصاً حقل «كاريش»، من خلال تعاقدها مع شركة يونانية تدعى «أنيرجيان» للبدء بالتنقيب في مارس المقبل»، وهو التحذير الذي جاء على لسان بري قبل أن يطالب بضرورة التحرك لمنع الاعتداء على الحق اللبناني، وهو ما يبين كيف تستغل إسرائيل الوضع السياسي والاقتصادي، على وقع انشغال الطبقة السياسية بتشكيل الحكومة، من أجل تعزيز سيادتها وانتهاك السيادة اللبنانية.

بدورها، حذرت صحيفة «الإيكونوميست» البريطانية من مصاعب تواجه اقتصاد لبنان، ورأت الصحيفة من وجهة نظرها أن «أخطر ما تواجهه الدولة اللبنانية الانقسامات الطائفية إضافة إلى أزمة اللاجئين السوريين». والقضية الأخيرة تمثل أزمة سياسية كبيرة في لبنان خاصة وسط الضغوط التي يمارسها حلفاء الأسد لاسيما ايران وسوريا و«حزب الله» من أجل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم على وقع مخاوف من تغيير ديمغرافي ينفذه الأسد بإشراف إيراني، حيث يستضيف لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ سوري يؤثرون بشكل مباشر في اقتصاد البلاد.

* وقفة:

الخطوة الأولى في خروج الدولة اللبنانية من غرفة الإنعاش هي بالدفاع عن سيادتها بوجه أعداءها لاسيما إيران وإسرائيل.. وإذا كانت الأولى تهيمن على البلاد بميليشيات «حزب الله» فإن الثانية لا تتردد في الدفع نحو موت لبنان إكلينيكياً!!