اللقاء الذي أجرته صحيفة «الوطن» مع وزير الدولة لشؤون النازحين في لبنان معين المرعبي يكشف لكثيرين ممن يهونون عملية «التمدد الصفوي الإيراني» في منطقتنا العربية، الخطورة الحقيقية التي تهدد أي دولة مستهدفة من هذا النظام، ويراد لها أن تغض النظر عن محاولات التغلغل الداخلي سواء عبر الاستهداف الإيراني المباشر، أو عن طريق العملاء وخونة الداخل.

المرعبي قال عن بلده لبنان بأنه أصبح «دولة بلا سيادة»، لأن سيادتها منتهكة من قبل النظام الإيراني، وعبر ذراعه العسكري المتمركز في الجنوب «حزب الله».

كنا نقول مراراً وتكراراً بأن هذا النظام الإيراني «الفاشستي» نجح في إلغاء الدولة اللبنانية من خلال عملائه وأخطرهم «حزب الله»، هذا الحزب الذي مضى كثيرون للتصديق بأنه نجح بالفعل في «تحرير» جنوب لبنان من قوات العدو الصهيوني، لكن الحقيقة تمثلت بعدها، بأن هذا الحزب الإيراني الولاء هو من «احتل» جنوب لبنان، وجعله نقطة انطلاق ليتضخم داخل جسد الدولة اللبنانية مثل «السرطان».

ولعل كثيرون يذكرون قبل قرابة عقدين من الزمان، عملية انسحاب أفواج عديدة وكبيرة من الجيش السوري من لبنان، بعد أن كان هذا الجيش متغلغلاً بداخل لبنان ومسيطرا على المفاصل الأمنية. حتى أنني أذكر تواجدي في لبنان لحضور اجتماع في مكتب «الأونروا» عام 2003، وتصادف هبوب رياح قوية عاصفة أدت لتساقط يافطات وإعلانات كبيرة معلقة، وكان من ضمنها صورة ضخمة مرفوعة للرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وقال لي حينها سائق السيارة اللبناني المستاء وهو يشير لصورة ضخمة للأسد بأن أول عمل قاموا به في الصباح بعد هبوب الرياح العاصفة بأن أعادوا تركيب صور الرئيس السوري، قبل أن يهتموا بإصلاح ما أفسدته العاصفة فيما يتعلق بالمرافق الخاصة.

نفس الدور قام به «حزب الله»، حينما ظن اللبنانيون بأن الجيش السوري بالفعل انسحب من لبنان، وتوقف عن التدخل في إدارة شؤونه، تفاجأوا بأن حسن نصر الله وحزبه هم من بدأوا يقومون بهذا الدور، في نفس الوقت يتحدث نصر الله عن أن المرجعية اللبنانية لابد وأن تكون لإيران بشكل مباشر، واعترف بأن التمويل المالي والتدريب العسكري الذي يحظى به الحزب، كله من إيران ولا أحد غيرها.

الوزير المرعبي قال إن إيران تهيمن على لبنان للأسف، وهي مضت للهيمنة على العراق، وابتلعت سوريا بالكامل، في وقت تسعى فيه للتغلغل في دول الخليج، مستهدفة البحرين بشكل أساسي سعياً للوصول إلى السعودية وإضعاف دورها كلاعب رئيسي قوي في المنطقة، وكل هذا يتم بأسلوب «الحرب بالوكالة» من خلال زرع العملاء وتجنيد الخونة.

قياساً على هذا الكلام الصادر من وزير لبناني يتحدث بألم عن بلده وماذا فعلت إيران فيه وكيف نزعت سيادته عبر عملائها، نجد بأن استهداف إيران للبحرين كان بنفس الطريقة والأسلوب. صحيح أن طهران لم تنجح في تشكيل تنظيم عسكري متطرف يتبع لها وله وجوده الكامل في منطقة جغرافية يتركز فيه ومن ثم يبدأ بالتوسع، حيث لم تجد ذريعة للقيام بذلك مثلما فعلت في لبنان بحجة المقاومة ضد إسرائيل، لكنها نجحت في صناعة ميليشيات متنوعة تعمل بأسلوب عصابات الشوارع، نجحت في صناعة كيانات تتستر خلف واجهة «جمعيات المجتمع المدني»، وكل ذلك هدفه السيطرة على مفاصل الدولة وإسقاط نظامها، ومن ثم تسليمها لإيران وتحويلها لدولة «بلا سيادة»، لها الاسم المستقل عن إيران، لكن الحكم فيها للمرشد الإيراني من خلال «وكلائه» من خونة وعملاء.

الخلاصة تتمثل بأن التساهل مع أي عملاء وخونة يتسترون تحت أي مسمى، وهم في الحقيقة يعملون وفق الأجندة الإيرانية، هو فتح باب أمام هؤلاء لاستهداف بلادنا والعمل على إضعافها من الداخل، ولو نجحوا في كل ذلك، فإن أول ما سيقدمونه كـ«قربان» للعدو الأجنبي هو التنازل عن «السيادة»، ليبقى بعدها الاسم كحال سوريا أو لبنان كما يراد له، لكن الواقع يقول بأنها دولة أخرى يبتلعها النظام الإيراني.